يُعد شهر رجب أحد الأشهر الحُرم التي عظّمها الله تعالى، وخصّها بمكانة رفيعة في قلوب المؤمنين، إذ يأتي رجب بوابةً روحية تمهّد لاستقبال موسمي رمضان وشعبان. ومع حلول هذا الشهر المبارك، يتساءل كثير من الناس عن أفضل العبادات التي يُستحب الإكثار منها، وكيف يمكن استثماره استثمارًا صحيحًا يقرّب العبد من ربه.

رجب شهر التهيئة لا الابتداع

أجمع أهل العلم على أنه لم يثبت عن النبي ﷺ تخصيص عبادة معينة في شهر رجب بعينها، لا صيامًا مخصوصًا ولا صلاةً بعينها، غير أن فضله نابع من كونه شهرًا حرامًا، تُعظَّم فيه الطاعات، ويُجتنب فيه الظلم والمعاصي. قال الله تعالى:﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ﴾.

ومن هنا، فإن أفضل عبادة في شهر رجب هي الرجوع الصادق إلى الله بالتوبة النصوح، لأنها أصل كل عبادة، وبها تُفتح أبواب الخير، وتُهيأ القلوب لاستقبال مواسم الطاعات القادمة.

التوبة الصادقة: عبادة القلوب قبل الجوارح

التوبة في رجب ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي عبادة عظيمة تقوم على الإقلاع عن الذنب، والندم على ما فات، والعزم الصادق على عدم العودة. وهي أفضل ما يبدأ به المسلم هذا الشهر؛ لأنها تصحّح المسار، وتطهّر القلب، وتعيد للروح صفاءها.

ورجب فرصة ثمينة لمحاسبة النفس، وترك العادات السيئة، والتخفف من أوزار الذنوب، تمهيدًا للدخول إلى شعبان ورمضان بقلب سليم ونفسٍ مقبلة على الله.

عبادات مشروعة يُستحب الإكثار منها

إلى جانب التوبة، يُستحب للمسلم في شهر رجب الإكثار من العبادات المشروعة دون تخصيص، ومنها:

الاستغفار: فهو مفتاح الفرج وممحاة الذنوب.

ذكر الله: تسبيحًا وتهليلًا وتكبيرًا.

قراءة القرآن: ولو بالقليل المنتظم.

الصيام النافلة: من غير اعتقاد فضل خاص ليوم أو أيام بعينها.

الصدقة: لما لها من أثر في تزكية النفس ومداواة القلوب.

رجب بداية الطريق

إن الحكمة من شهر رجب ليست في كثرة الأعمال فقط، بل في صدق التوجه إلى الله، واستحضار عظمة الزمان، واستثمار الأيام في إصلاح القلوب. فمن أحسن في رجب، أُعين في شعبان، وبلغ رمضان بقلب حيّ وروحٍ متعلقة بالطاعة.

وأخيرا فإن شهر رجب محطة إيمانية مهمة، وأفضل عبادة فيه هي التوبة الصادقة التي تُعيد العبد إلى ربه، وتفتح له أبواب الخير. فليكن رجب شهر المراجعة والإصلاح، لا شهر الغفلة والابتداع، حتى نصل إلى رمضان وقد تهيأت القلوب، واستعدت النفوس، وقُبلت الخطوات الأولى في طريق القرب من الله.