عزيزي المسلم، في مرحلة ما ستشعر أنك لست شبه أحدهم ولا أحدهم يشبهك .. وأنك بعيد حتى مع أقرب الناس لك .. وكأنك (في واد وهم في واد آخر).. وأنك وجودك مجرد واجبات و مجاملات .. نعم فالشعور بالاغتراب من أكثر المشاعر المرهقة نفسياً .. لكنه من أهم مؤشرات النضج !
ففي هذا الوقت أنت تكون قد بدأت أن تفهم وتعي نفسك جيدًا لأول مرة، وبدأت تستوعب اختلافهم عنك واختلافك عنهم .. كما بدأت أن تستوعب أولوياتك .. تنازلاتك .. احتياجاتك .. مسؤولياتك .. في هذا الوقت بدأت تستسلم لفكرة أن الإنسان ضعيف، وأنك ستتوقع منهم كل شيء مهما كان بعيد عن مخيلتك .. وقتها لن تحكم ولن تصنف .. وإنما سكون تركيزك في ضعفك أنت .. الذي ستكتشفه وقتها أيضًا.
تركيزك أين؟
في هذا الوقت سكون تركيزك كله في نفسك وفقط.. ليست أنانية، وإنما حتى لا تغرق نفسك أو تغرقهم هم معك.. في هذا الوقت ستتغير كثيرًا عن أي وقت قبله .. كأنك تتشكل من جديد.. تتعلم صبر جديد و حكمة جديدة و استسلام جديد .. ومشاعر جديدة ..
نفس المعاني لكن بأحاسيس جديدة.. أحاسيس لا يمكن تناولها سوى في مرحلة الاغتراب هذه وفقط !
في هذه المرحلة أمامك اختياران :
- إما أن تعيش كل هذا وحدك .. بأفكارك بمخاوفك بخضتك بتوهانك ..
- أو أن تعيش كل هذا وأنت لاجئ لله عز وجل، ومستعين به فتبدأ تتعلم معنى الاستغناء الحقيقي..
اللجوء ليس نظري ولا ترديد كلمتي (الله المستعان وربنا يقوي) !.. وإنما اللجوء يكون بلجوء حقيقي، وبقرار القرب، وبالتعرف على صفات الله وقدراته، حتى تعرف كيف تستعين بمن بالفعل.. وعقلك وقلبك يقتنعوا وروحك تتصل بالله عز وجل.. وهذا ليس من منطلق التدين، وإنما لأن من خلقك هو أدرى بتركيبتك واحتياجك.
اقرأ أيضا:
بيت الظالم يخرب قبل بيت الكافر.. فلا تظلم أحدًامنهج الله
عزيزي المسلم، هناك منهج حدده الله عز وجل حول هذا الأمر، قال تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا ( يُوعَظُونَ بِهِ ) لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا )، إذن نحن في أشد الحاجة إلى الوصول هذا التثبيت (لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً )، لكن بالتأكيد لن تستطيع الوصول وحدنا، وبالتالي علينا أن نبدأ فقط الطريق ولو بأقل هِمة، لكن إسمك على الطريق الصح حينها ستتذوق بصيرة وسكينة و لطف كأنك لم تشعر بهم أبدًا من قبل.. ستجد الله عز وجل بجانبك يهون عنك كثيرًا، ويطمئنك كثيرًا جدًا، وهنا يأتي كمال النضج، تماما كما وصف الله عز وجل المؤمنين في تكاملهم وترابطهم فقال: «كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ» (الفتح: من الآية 29).