قراءة القرآن الكريم بالمقامات والألحان منتشرة منذ عشرات السنين بل إن هناك من القراء من القراء من يتعلم الأحان والمقامات ليقرأ بها القرآن الكريم.. وبهذا وقع خلاف كبير بين العلماء في قراءة القرآن بالألحان بين من يجيز ومن يمنع.
أمور مجمع عليها في التلاوة:
وبرغم سعة الخلاف وتوارد الأدلة بين المجيزين والمانعين فإن هناك أمورا مجمعا عليها وليست محل خلاف هذه الأمور يلزم مراعاتها على كل حال وهي استحباب تزيين الصوت بقراءة القرآن العظيم، قال النووي: أجمع العلماء -رضي الله عنهم- من السلف والخلف -من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين- على استحباب تحسين الصوت بالقرآن، ودليله حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "زينوا القرآن بأصواتكم. وحديث: لقد أوتي هذا مزمارًا. وحديث: ما أذن الله. وحديث: لله أشد أذنًا، وغير ذلك من الأحاديث، كما اتفق العلماء على أن القراءة بالألحان إذا أدت إلى تغيير ألفاظ القرآن -بالتمطيط، ونحوه-، فهي ممنوعة، قال القرطبي: ولا أشك أن موضع الخلاف في هذه المسألة إنما هو إذا لم يغيّر لفظ القرآن بزيادة أو نقصان، أو يبهم معناه بترديد الأصوات؛ فلا يفهم معنى القرآن؛ فإن هذا مما لا شك في تحريمه.
محل النزاع في القراءة بالألحان:
وبهذا فإن بين المانعين والمجيزين يقع في مسألة محددة وهي تجاوز القدر الزائد من التغني بالسليقة إلى المبالغة في التطريب والتلحين، بتعمد مراعاة قوانين النغم واللحن، وتكلف الاستعانة بها لتحسين الصوت بقراءة القرآن الكريم، وهذه المسألة
أكثر العلماء على منعها مستدلين بعدة آثار كما اعتمدوا على أنها الانشغال بالألحان تشغل القارئ عن التأمّل في المقروء، وتصدّه عن تدبّر معاني القرآن، وتهيج المستمع، وتصرفه إلى التلذّذ بالأنغام دون مراعاة المقصود الأكبر، وهو تدبّر آيات القرآن المجيد، وتفهّم معانيه.
على الجانب الآخر يستدل المجيزون بآثار أخرى تجيز التغني بالقرآن كما اعتمدوا على أن في ذلك إعانة للنفوس على الاستماع للقرآن الكريم، والانتفاع به، والاستغناء به عن الاستماع إلى المعازف.
وأعدل الأقوال وأسلمها مراعة حال السلف الصالح في القراءة فهم اعلم اخلق بالحق بعد الأنبياء وقد كانوا يحسّنون القرآن بأصواتهم من غير أن يتكلّفوا أوزان الغناء وعليه فإن استحداث القراءة على ألحان الغناء؛ فهذا ينهى عنه عند جمهور العلماء؛ لأنه بدعة، ولأن ذلك فيه تشبيه القرآن بالغناء، ولأن ذلك يورث أن يبقى قلب القارئ مصروفًا إلى وزن اللفظ بميزان الغناء، لا يتدبّره، ولا يعقله.
أدلة المجيزين للقراءة بالألحان: غير أن المجيزين يعتمدون على أن معنى الحديث تحسين الصوت، والغناء المعقول الذي هو تحزين القارئ سامع قراءته، كما أن الغناء بالشعر هو الغناء المعقول الذي يطرب سامعه -: ما روى أبو هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ما أذن الله لشيء، ما أذن لنبي حسن الترنم بالقرآن»؛ فتزيينه أوقع في النفوس، وأدعى إلى الاستماع، والإصغاء إليه.
الحاصل في القراءة بالألحان:
وعليه فإن راعى قواعد التلاوة وهو حسن الصوت دون أن يخل بقراءته فلا شك أن أرجح من غيره؛ لأنه يأتي بالمطلوب من تحسين الصوت، ويجتنب الممنوع من حرمة الأداء ومازالت هذه المسألة محل خلاف لأنه ليس فيها نصوص صريحة بالمنع ومن ثم لا ينبغي التشدد فيها وعليه فلا حرج كما ذهبت لجنة الفتوى بإسلام ويب من الاستماع إلى من يراعي المقامات في قراءته للقرآن الكريم، ولا في نشر تلاوته، ومحاكاته كما لا ننكر على من يمنع والأمر فيه سعة إن شاء الله تعالى.