أعمال نحسبها حلالاً لكنها كانت في عهد النبي من "الموبقات"
بقلم |
أنس محمد |
الثلاثاء 20 اغسطس 2024 - 12:26 م
كان أنس بن مالك من المعمرين، فقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بطول العمر والبركة في الرزق، وبقى أنس بن مالك بعد النبي صلى الله عليه وسلم حوالي تسعين سنة فتغيرت الأمور في عهده رضي الله عنه واختلفت أحوال الناس وصاروا يتهاونون في بعض الأمور في عهد الصحابة رضي الله عنهم مثل صلاة الجماعة، بعدما كان الصحابة رضي الله عنهم لا يتخلف أحد عنها إلا منافق أو مريض معذور ولكن الناس تهاونوا بها ولم يكونوا على ما كان عليه الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
فما بالنا وقد شهدنا نحن في عصرنا هذا المسجد في صلاة الجمعة لا يزيد عدد الحاضرين فيه عن خمسين رجلا، في الوقت الذي يتزاحم الآلاف على مباراة كرة القدم أو حضور حفلة أحد المطربين، بل إن الناس في عهدنا أيضا صاروا يتهاونون بالصلاة نفسها لا بصلاة الجماعة فقط فلا يصلون أو يصلون ويتركون أو يؤخرون الصلاة عن وقتها أو لا يصلون من الأساس.
موبقات على أيام النبي
لذلك يقول أنس بن مالك بعد أن رأى تغير حال بعض الصحابة والتابعين: "إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الموبقات" .
والموبقات أي المهلكات التي تهلك الحسنات،وهي أعمال لا يبالي أصحابها بضررها ولا تشغل حيزا من تفكيرهم فهي في أعينهم أدق من الشعر لا تُرى وليست - عندهم - ذات خطر ولا ضرر، بل ربما يعدها أصحابها حلالا , ولا يتهيب المرء عند عملها أنها حرام.
فإذا كان هذا كلام أنس بن مالك للتابعين الذين كانوا من خير القرون التي تلت قرن النبي صلى الله عليه وسلم، فمابالنا بأيامنا هذه وما نفعله فيها، فقد كان هذا التذكير والوعيد الشديد للتابعين , وهم على قدرهم رأى منهم أنس بن مالك بمقياس الصحابة في عصر النبوة أعمالا من الموبقات لا يشعرون بها , فكيف بما نحن عليه الآن إذا قيس أحدنا أو قيس مجتمعنا الإسلامي الحالي كله على معيار ما كان عليه صحابة رسول الله .
استصغار المعصية
فالكثير من الناس الآن يفعل الجريمة والسيئة ويستصغرها, وهي صفة الفجار، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مر على أنفه فقال به هكذا".
فكلما زاد الإيمان في قلب العبد كلما استعظم الذنب – كل ذنب – والعكس دوما بالعكس , فلا يرى ضعيف الإيمان والمنافق ذنوبه – مهما كانت - إلا هينة جدا لا يلقي لها بالا فيعتبرها كذباب على وقع أنفه فأشار إليه بيده فطار.
ولهذا كان من كلام السلف الصالح رضي الله عنهم: "لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظمة من عصيت " , تحقيقا لتحذير النبي صلى الله عليه وسلم لأمته من الوقوع في محقرات الذنوب فقال : " إياكم ومحقرات الذنوب، كقوم نزلوا في بطن وادٍ فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى أنضجوا خبزتهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه .
تأخير الصلاة عن موعدها
ومن أشد ما نفعل في هذه الأيام السهو عن الصلاة، بل منا من يشغل باله بحكم تارك الصلاة هل هو كافر أم منافق أم مسلم، ولايصلي، وقد حذر ربنا سبحانه وتعالى من هؤلاء وقال في سورة الماعون: " فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون" , وقد حض النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الصلوات في أوائل أوقاتها ووصفها بأنها في مقدمة أفضل الأعمال وأحبها إلى الله .
فذات يوم مرض عامر بن عبد الله بن الزبير مرض الموت, فسمع أذان المغرب فقال لأبنائه: احملوني إلى المسجد، قالوا: أنت مريض وقد عذرك الله، قال: لا إله إلا الله، أسمع حيّ على الصلاة حيَّ على الفلاح، وأصلي في البيت، والله لتحملوني إلى المسجد، فحملوه إلى المسجد، ولما سجد السجدة الأخيرة، من صلاة المغرب، قبض الله روحه.
الغش
الغش في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان من الموبقات، فقال النبي: " من غش فليس مني"، لكن انظر إلى الناس اليوم تجد أن الغش عندهم أهون من كثير من الأشياء بل إن بعضهم والعياذ بالله يعد الغش من الشطارة في البيع والشراء والعقود ويرى أن هذا من باب الحذق والذكاء نسأل الله العافية مع أن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ من الإنسان الذي يغش الناس.
الكذب
وهو من الأشياء العظيمة في عهد الصحابة رضي الله عنهم فيرونه من الموبقات لكنه عند كثير من الناس يعده أمرا هينا فتجده يكذب ولا يبالي بالكذب مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا .
وربما يكذب في أمور أخطر فيجحد ما عليه للناس أو يدعي ما ليس له ويحاكمهم عند القاضي ويحلف على ذلك فيكون والعياذ بالله ممن يلقى الله وهو عليه غضبان إلى غير ذلك من المسائل التي يعدها الصحابة من المهلكات ولكن الناس اختلفوا فصارت في أعينهم أدق من الشعر .
الزنا
لا يجد الناس في عصرنا هذا شرا في الزنا وما يقرب إليه، بالرغم من قوله تعالى: " ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا"، و ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته".