عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أن الوجع الذي في حياتك لابد أن يأتي عليه يوم وينتهي، ثم يأتي غيره.. أيضًا النعمة التي تعيش و تشعر بها، سيأتي يوم وتنتهي، ثم يأتي غيرها، فهذه هي الدنيا !.. كوكتيل من الوجع والنعم، لكن الذي يقويك ويسندك في كل هذه التغيرات، هو الصبر الجميل الذي لا يمكن أن يأتي سوى بالتعرف على الله.
وفي ذلك يقول الروائي الشهير دوستويفسكي: (كنت أظنها أياما و تمضي، فإذا بها كانت حياتي )، فكم ابتلي الأنبياء فصبروا، وكم أوذوا في ذات الله فما ضجروا، وكم أوذي السابقون الأولون من المهاجرين، فما وهنوا ولا تذمروا، وإنما هي ابتلاءات ليميز الله الخبيث من الطيب، قال تعالى: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ» ( العنكبوت 2).
لذة الصبر
أوتدري عزيزي المسلم، أن للصبر لذة، لكن لا يمكن أن يشعر بها إلا المؤمن حقًا، لأنه لا يرى إلا بنور الله، يترك أمره كله لله، فلا يتعجل الأمور، ولا يعترض على قضاء الله مهما كان، وما ذلك إلا لأن أمره كله خير، سواء كان شدة فصبر أو رزق فحمد.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
لذا عزيزي المسلم اصبر في غناك وفقرك، وقل دائمًا لنفسك: « لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا » (التوبة: 51)، وقل أيضًا: « وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ » (البقرة: 216).
اقرأ أيضا:
صفِ قلبك.. ترى بعين الرحمنهل هناك صبر جميل بالفعل؟
لكن هنا يطرح السؤال، هل هناك صبر جميل بالفعل؟، والإجابة بكل تأكيد نعم، وهو ما ذكره القرآن الكريم في أكثر من موضع، ومن ذلك قوله تعالى: «وَجَاؤُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ » (يوسف: 18)، وقول نبي الله يعقوب عليه السلام: « قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ » (يوسف: 83)، وقوله تعالى لنبيه الأكرم صلى الله عليه وسلم: « فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا » (المعارج: 5).
إذن الصبر يكون جميلاً طالما كان عن رضا ويقين وثقة متناهية في الله عز وجل، حينها تكون النتيجة مفاجأة كبيرة، فانظر كم سعد الله يعقوب بلقاء ابنه بعد سنوات من البعد، وانظر كم نصر الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم بعد سنوات من التعب والأذى، فكأن الله يجازي من صبر (صبرًا جميلا) بقدر ما صبر.