من أخلاق الملك السعيد أن لا يعاقب، وهو غضبان، لأن هذه حال لا يسلم معها من التعدي والتجاوز لحد العقوبة.
فإذا سكن غضبه، ورجع إلى طبعه، أمر بعقوبته على الحد الذي سنته الشريعة، ونقلته الملة فإن لم يكن في الشريعة ذكر عقوبة ذنبه، فمن العدل أن يجعل عقوبة ذلك الذنب واسطة بين غليظ الذنوب ولينها.
روشتة سلوك وبروتوكولات دبلوماسية:
1-ليس الذنب بحضرة الملك كالذنب بحضرة السوقة، ولا الذنب بحضرة الحكيم كالذنب بحضرة الجاهل، لأن الملك هو بين الله وبين عباده، فإذا وجب بحضرته الذنب، فمن حقه العقوبة عليه ليزدجر الرعايا عن العياثة والتتابع في الفساد.
2- من حق الملك، إذا هم بالحركة للقيام، أن تسبقه بطانته وخاصته بذلك، فإن أومأ إليهم أن لا يبرحوا، لايقعد واحد منهم، حتى يتوارى عن أعينهم.
3- فإذا خرج، فمن حقه أن تقع عينه عليهم وهم قيام، فإذا قعد، كانوا على حالهم تلك. فإن نظر إليهم ليقعدوا، لم يقعدوا جملةً، بل تقعد الطبقة الأولى، أولاً، فإذا قعدت عن آخرها، تبعتها الطبقة الثانية.. فإذا قعدت عن آخرها، تبعتها الطبقة الثالثة.. وأيضاً فإن لكل طبقة رأساً وذيلا. فمن الواجب أن يقعد من كل طبقةٍ رأسها، ثم هلم جراً على مراتب الطبقة أولاً فأول.
4- من حق الملك أن لا يدنو منه أحد، صغر أو كبر، حتى يمس ثوبه ثوبه إلا وهو معروف الأبوين، في مركبٍ حسيبٍ، غير حامل الذكر ولا مجهول.
5- فإن احتاج الملك إلى مشافهة خاملٍ أو وضيعٍ، واضطر إليها، إما لنصيحةٍ يسرها إليه، أو لأمرٍ يسأله عنه، فمن حق الملك أن لا يخلي أحداً يدنو منه حتى يفتش أولاً، ثم يأخذ بضبعيه اثنان، أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله.. فإذا أبدى ما عنده، وقبل منه الملك ما جاء به، فمن حقه على الملك الإحسان إليه، والعائدة عليه، والنظر في حاجته، إن كانت له، ليرغب ذوو النصائح في رفعها إلى ملوكهم، والتقرب بها إليهم.
6- ومن حق الملك، إذا حدث بحديث، أن يصرف من حضره فكره وذهنه نحوه، فإن كان يعرف الحديث الذي يحدث به الملك، استمعه استماع من لم يدر في حاسة سمعه قط ولم يعرفه، وأظهر السرور بفائدة الملك والاستبشار بحديثه.
7- فإن في ذلك أمرين: أحدهما ما يظهر من حسن أدبه، والآخر أنه يعطي الملك حقه بحسن الاستماع.. وإن كان لم يعرفه، فالنفس إلى فوائد الملوك والحديث عنهم أقوى وأشهى منها إلى فوائد السوقة ومن أشبههم.
8- وقال سعيد بن سلم الباهلي لأمير المؤمنين المأمون: لو لم أشكر الله إلا على حسن ما أبلاني أمير المؤمنين من قصده إليّ بالحديث، وإشارته إلي بطرفه، لقد كان ذلك من أعظم ما تفرضه الشريعة، وتوجبه الحرية.
قال المأمون: لأن أمير المؤمنين، يجد عندك من حسن الإفهام إذا تحدثت، وحسن الفهم إذا حدثت، ما لم يجده عند أحدٍ فيما مضى، ولا يظن أنه يجده فيما بقي.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟