لا يتصور أني كون هناك مجتمع متماسك متحاب أفراده دون أن يكون الوفاء بالعهد ديدنهم.. فالوفاءبالعهود يقرب المسافات ويعالج الخلاف ويدعم الثقة بين الأفراد ومن ثم تزداد الألفةويعم الخير.
فالوفاء بالعهدمن صفات المؤمنين وهي صفة لازمة للمسلم، وهذادليل الإيمان الصحيح لا المزيف؛ قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾.
من جانبه،يبين د. عادل هندي الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف أن الوفاء بالعهد صفة العظماء، أقوياء الشخصية، صادقوا الإيمان والإسلام، بلهو من أعزّ صفات المؤمنين المفلحين، قال تعالى: ﴿قَدْأَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِفَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَىأَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَهُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ [المؤمنون:١-٨].
أهمية الوفاء بالعهد:
ويضيف أن الوفاء بالعهد خلق الأنبياء والمرسلين جميعًا،فإبراهيم هو الذي وفّى، وإسماعيل كان صادق الوعد، وسيدنا موسى وفّى مع الرجل فيمدين بأقصى مدّة في الخدمةِ والعمل معه،والوفاء أيضا صفة لأولياء الله وأحبابه، ولم لا وقد استجابوا لأمر الله في كتابه المجيد،ففي القرآن، قال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَمَسْئُولاً﴾، فقد أمر الله تعالى في هذه الآية بالوفاء بالعهد، وقال تعالى:﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾، وقدأمرنا الله تعالى بالوفاء في كل أمورنا، فقال سبحانه: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِبِعَهْدِكُمْ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا﴾، وقال عزّ وجلّ:﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ﴾.
وعن أهمية هذا الخلق في المجتمع ، يوضح د. هندي أن هذا الخلق يزيد من قوة الإيمان ويسمو بالنفس إلى مراقي الكمال،ويجعل المجتمع متماسكا ولك أن تتصور العكس ألا يفي أحد بعهد أحد ولا يصدق أحدهم فيكلمته مع الآخر فهذا المجتمع يكون هشا لايقف على قدم راسخة لكن الوفاء بالعهد يقويه ويدعم أسسه وكيانه كما أنه يدعم المحبةبين الناس ويزيد الثقة في الخلْق، وهو شعبة من شُعب الإيمان؛ فمجتمع بلا وفاء غابةيأكل فيها القوي الضعيف ويتنكّر فيها الغني للفقير والصحيح للمريض. لا سيّما وقدحذّرت الشريعة الإسلامية من الغدر، والغادِر ((ينصب له لواء يوم القيامة عندإسته فيقال هذه غدرة فلان)).
صور الوفاء بالعهد:
ويذكر د. هندي أن هناك صورًا الوفاء، ولهاأركان ثلاثة؛ وفاء بينك وبين الله تعالىورسوله.
وفاء بينك وبين نفسك، وفاء بينك وبين الآخرين، ومن أهم صور الوفاء معالآخرين: الوفاء لأهل الفضل، مبينًا ن الوفاء مع الله U: يقول تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِيأُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40] ويتحقق هذا الوفاء بتحقيق معاني العبوديةالصالحة المصلحة؛ فتقوم بحق الإله عليك من عبوديته الصحيحة واليقين به وحدهوالقيام بالعهد الذي بينك وبين ربّك؛ فقد أخذ الله عليك العهد والميثاق وأنتَ فيعالَم الذَّرّ: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوابَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف: 172]. ومنه حُسْن التوكل عليه في كلّ أمر، موضحاأن بنود العقد بينك وبين الله تعالى: وهذا أولالعهود المبرمة في حياتك، تعاقدت عليها منذ أول لحظة لوجودك في عالم الذرّ؛ ففيقوله تعالى -ما يدلل على ذلك-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىشَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}[الأعراف: 172]، وقال الله تعالى -في صفة المعاهدين الصادقين-: ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَعَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَابَدَّلُوا تَبْدِيلًا﴾ ويحققهذا بإفراده بالعبودية والتوجه واليقين والثقة في موعوده ونصره، وعبوديته وطاعته وجبر النقص منها، وإعلان محبته قبلأيّ محبة.
الوفاء بالعهد مع الرسول:
ويضيف أن الوفاء مع الرسول: وذلك بصدق المحبة له والطاعة لما أمر به،والائتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَاالَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُوَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20]، ويتحقق بطاعة الرسول فيما أمروالانتهاء عمّا نهى عنه، واتباع هديه في عقيدته وعبادته وأخلاقه وسلوكياته، والدفاععنه وردّ الشبهات عنه بما استطعتَ إلى ذلك سبيلاً.
الوفاء مع النّفس: وذلك بالقيام بحقها، وعدم تكليفها فوق طاقتها، وألاتوردها المهالك، ولا تتوجّه بها إلى معصية تؤذيك وترديك.
أما الوفاء بما بينك وبين نفسك فإيرادها فيكون بالقيام بحقها وألا تكلفها فوق طاقتها ماديا أو معنويًّا.
الوفاء مع الآخرين، والوفاء بالعهد مع الآخرين له صور كثيرة منها حفظ العهدبينك وبين زوجك "اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، والمعاشرةبالمعروف، القيام بحقوق الزوجية؛ فإن أديت ما عليك من واجبات أخذت ما لك من حقوق،والتواصي بالحق والصبر والإعانة على طاعة الواحد الأحد.
الوفاء للزوج ولو بعد الموت، فها هي أم المؤمنين خديجة -رضيالله عنها- تنظر إلى النبي rفرأت فيه رجلاً أمينًاصادقًا وفيًا، وكان كثير الثناء عليها بعدما ماتت، حتى قالت عائشة رضي الله عنها:«ما غرت على امرأةٍ قط غيرتي من خديجة لكثرة ما كان يذكرها ويثني عليها، وقد كان rيذبح الذبيحة فيقطع الأعضاء، ثم يرسل إلى صديقات خديجة، فقلت له يومًا:كأن ليس في الدنيا امرأةٌ إلا خديجة، فقال لي: «إنها كانت وكانت، وكان لي منهاالولد»..