لا يبتلي الله عباده لأنه يكرههم كما قد يتبادر إلى ذهن البعض لكن الكس تماما هو الصحيح فابتلاء الله تعالى للمؤمن دواء وشفاء وتنقية من الذنوب ورفع للدرجات ومحو للأوزار والسيئات.
لم يخلق الله تعال عباده ليعذبهم فهو خلقه وصنته ولذا أرسل لهم الرسل تبين لهم الصواب والخطـأ، وتبين لهم ما أعده الله تعالى للمؤمنين إن هم أطاعوا وما أعده الله للعصاة إن هم عصوا..
ثم تأتي منزلة الابتلاء وهو سنة يبالي الله تعالى بعا من شاء من عباده المؤمنين لم يستثن مها حتى أحبابه وأولياءه.. فهي في حقهم رفع للدرجات.. ولعباده العصاة لينقيهم من ذنوبهم.
فوائد الابتلاء:
وقد ورد في فوائد للابتلاء أقوال كثيرة أجملها ما ذكره ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه الماتع : الهجرتين حيث ذكر أن للابتلاء فوائد كثير منها:
أحدها: شهودُ جزائِها وثوابها. الثاني: شهودُ تكفيرها للسيئات ومَحْوِهَا لها. الثالث: شهودُ القَدَرِ السابق الجاري بها وأنها مقدَّرةٌ في أمِّ الكتاب قبل أن يُخْلَقَ؛ فلا بدَّ منها؛ فجزَعُه لا يزيده إلا بلاء. الرابع: شهودُه حقَّ الله عليه في تلك البلوى، وواجبَه فيها الصبر بلا خلاف بين الأمة، أو الصبر والرضا على أحد القولين؛ فهو مأمور بأداء حقِّ الله وعبوديته عليه في تلك البلوى؛ فلا بد له منه وإلا تضاعفت عليه.
الخامس: شهود ترتّبها عليه بذنبه؛ كما قالَ الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [الشورى من الآية:30] فهذا عامٌّ في كل مصيبة دقيقةٍ وجليلة؛ فيشْغَلُه شهودَ هذا السببِ بالاستغفارِ الذي هو أعظمُ الأسباب في دفع تلك المصيبة؛ قال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع بلاء إلا بتوبة".
السادس: أن يعلمَ أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسَمَها، وأنَّ العبودية تقتضي رضاه بما رَضِيَ له به سيده ومولاه؛ فإن لم يوفِ قدْرَ المقَامِ حقَّه فهو لضَعْفِهِ؛ فلينزلْ إلى مقامِ الصبر عليها؛ فإن نزلَ عنه نزلَ إلى مقامِ الظلم وتعدِّي الحقّ. السابع: أن يعلمَ أن هذه المصيبة هي داءِ نافع ساقَه إليه الطبيبُ العليم بمصلحته الرحيم به؛ فليصبرْ على تجرُّعِه ولا يتقيَّأه بتسخُّطِه وشكْوَاه فيذهبُ نفْعُه باطلًا.
الثامن: أن يعلم أن في عُقْبَى هذا الدواء من الشفاء والعافية والصحة وزوال الألم ما لم تحصل بدونه؛ فإذا طالعتْ نفسُه كراهةَ هذا الدواءِ ومرارَتَه؛ فلينظرْ إلى عاقبته وحُسْنِ تأثيره، قال تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}، التاسع: أن يعلمَ أن المصيبةَ ما جاءَتْ لتهلِكَه وتقتُلَه، وإنما جاءت لِتَمْتَحِنَ صبْرَه وتبْتَلِيَه؛ فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه؟ وجعْلِه من أوليائه وحزبه أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه، العاشر: أن يعلم أن الله يربّي عبدَه على السراء والضراء والنعمة والبلاء؛ فيستخرج منه عبوديَّته في جميع الأحوال.
حسن الظن بالله:
وهكذا ينزل الابتلاء للعبد يحمل معه نفحات الخير ويدفع عنه الشرور ومن حسن الظن العبد بالله تعالى أن يوقن بأن الله تعالى لم يرد به إلا الخير مهما وقع عليه من ابتلاء.. ولنا في الأنبياء عليهم رضوان الله الموعظة والعبرة.