مواقف النبي مع ابنته فاطمة كثيرة ومتعددة وهذه المواقف تبين مدى حب النبي لابنته التي كان يحبها جدا.
حب النبي لفاطمة ابنته:
وقد بلغ من حبه لها ما روى أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم من فاطمة، كانت إذا دخلت عليه قام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها.
بل اعتبر النبي حبها من الدين (فاطمة بَضْعَة (قطعة) مِنِّي، فَمَنْ أَغْضبها أَغْضَبَنِي) رواه البخاري.
الرسول يخبر ابنته فاطمة بأسرار لا يعلمها غيرها:
ولقد كان صلى الله عليه وسلم يثق في فاطمة ابنته حتى إنه كان يسر لها بأمور لا يعلمها احد غيرها فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (كنَّ أزواجُ النبيِّ ـ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ـ عنده لم يُغادِرْ منهنَّ واحدة، فأقبلت فاطمة تمشي ما تُخطئُ مِشيتُها من مِشيةِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شيئا، فلما رآها رحَّب بها فقال: مرحبًا بابنتي، ثم أجلسها عن يمينه ـ أو عن شماله ـ ثم سارَّها (أسرَّ لها بكلام) فبكت بكاءً شديدًا، فلما رأى جزَعَها سارَّها الثانية فضحكتْ، فقلتُ لها: خصَّكِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من بين نسائه بالسِّرار ثم أنت تبكِين؟، فلما قام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سألتُها: ما قال لك رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلم؟، قالت: ما كنت أُفشي على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سِرَّه، قالت فلما تُوُفِّيَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قلتُ: عزمتُ عليكِ بما لي عليك من الحقِّ، لما حدَّثتِني ما قال لك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟، فقالت: أما الآن فنعم، أما حين سارَّني في المرةِ الأولى، فأخبَرَني أنَّ جبريل كان يُعارِضُه القرآن في كلِّ سنة مرةً أو مرتين، وإنه عارضَه الآنَ مرَّتين، وإني لا أرى الأجل إلا قد اقترب، فاتَّقي الله واصبِري، فإنه نِعمَ السَّلَف أنا لك، قالت: فبكيتُ بكائي الذي رأيتِ، فلما رأى جزَعي سارَّني الثانيةَ فقال: يا فاطمة! أما ترضَي أن تكوني سيَّدة نساء المؤمنِين، أو سيدة نساءِ هذه الأمة؟، قالت: فضحِكتُ ضحِكي الذي رأيتِ) رواه البخاري.
وفي رواية مسلم: (فقالت عائشة: فقلتُ لفاطمة: ما هذا الذي سارَّكِ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلمـ فبكيت، ثم سارَّك فضحكت؟، قالت: سارَّني فأخبرني بموتِه، فبكيتُ، ثم سارَّني فأخبَرَني أني أول من يتبعُه من أهلِه فضحكتُ).
ولقد تأثرت فاطمة كثيرا بمرض والدها النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد عرفت أنه مرض الوداع تشاهد وتشعر بالألم والمعاناة التي يشعر بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في مرضه الذي توفي فيه، وقد دفعها ذلك كما في رواية البخاري أن تقول: "واكرب أباه"، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: (لما ثقل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جعل يتغشاه، فقالت فاطمة: واكرب أباه، فقال لها ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ليس على أبيك كرب بعد اليوم) رواه البخاري.
كيف واسى النبي ابنته فاطمة وخفف معاناتها؟
لم تكن فاطمة رضي الله عنها مرفهة في بيت زوجها علي بن أبي طالب بل كانت تشعر بشيء من الألم في قضاء حوائج بيتها فلم يكن عليا صاحب مال ولهذا كانت ترغب فيمن يساعدها في قضاء حوائج بيتها، وحين علمت فاطمة رضي الله عنها أن الله عز وجل جاء للنبي صلى الله عليه وسلم بسبي (أسرى)، فطلبت منه أن يرسل لها خادماً (يُطلق على العَبْد والجَارية) يساعدها في أعمال بيتها، فكان جوابه صلى الله عليه وسلم عليهما: (والله لا أعطيكم وأدع أهل الصفة (فقراء الصحابة الذين كانوا يسكنون بالمسجد النبوي) تطوي بطونهم من الجوع لا أجد ما أنفق عليهم، ولكن أبيعهم وأنفق عليهم أثمانهم) رواه أحمد. ثم أرشدها النبي صلى الله عليه وسلم لما هو أفضل لها من الخادم.
وصية النبي لفاطمة ابنته:
فعن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه: (أنّ فاطمة عليها السلام اشتكت ما تلقى من الرّحى (آلة الطحن) ممّا تطحن، فبلغها أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بسَبْيٍ، فأتته تسأله خادماً فلم تُوافِقْه، فذكرت لعائشة، فجاء النّبي صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك عائشة له، فأتانا وقد دخلنا مضاجعنا، فذهبنا لنقوم، فقال: على مكانكما، حتّى وجدت برد قدميه على صدري (من شدة البرد)، فقال: ألا أدلّكما على خير ممّا سألتماه، إذا أخذتما مضاجعكما فكبّرا الله أربعا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وسبّحا ثلاثا وثلاثين، فإنَّ ذلك خير لكما ممّا سألتماه) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: (ألا أُعلِّمُكما خيرًا مما سألتُما؟ إذا أخذتُما مضاجعكما، أن تكبِّرا اللهَ أربعاً وثلاثين، وتسبِّحاه ثلاثاً وثلاثين، وتحمَداه ثلاثاً وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم)، وفي رواية: قال عليٌّ: ما تركتُه منذ سمعتُه من النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قيل له: ولا ليلة صِفِّين؟ قال: ولا ليلة صِفِّين).