للإنسان نقاط ضعف عبارة عن مجموع سلبيات موجودة في شخصيته، وتؤثر نقاط الضعف على شخصية المؤمن، ومعنوياته، وهناك الكثير من الأشخاص يتعرّضون في حياتهم اليوميّة إلى انتكاسات قد تضعف عزيمتهم، وقوة إيمانهم، ففي الحياة آمال عريضة، وأهداف قريبة وبعيدة، ولكن الطريق إليها شائك وطويل، والعقبات متنوعة، والمعوقات كثيرة، ويحتاج الإنسان إلى ما يعيد اكتشاف نفسه به ويقوي من عزيمته وإيمانه.
فما أشد حاجة الإنسان إلى قوة تسند ظهره، وتقوي إيمانه، وتقهر أمامه الصعاب، وتنير له الطريق.
وهناك بعض الأشياء التي يجب أن يلجأ إليها المؤمن لكي ينتصر على الشدة ويقف أمام المصائب التي تكثر خلال هذه الأيام، وتؤثر بشكل سلبي على الإنسان ورغبته في الاستمرار في الحياة، وهي:
الإيمان بالله
يقول النبي صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي أحب عند الله من المؤمن الضعيف"، فالمؤمن القوي؛ يستمد قوته من الله الذي يؤمن به، ويتوكل عليه، ويؤمن بمعيته، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌِ) (الأنفال: 49).
فالإيمان بالله هو القوة الحقيقية، للروح، والقلب والجسد، والمؤمن يرجو فضل الله، ويخشى عذابه، والمؤمن عزيز وإن لم يكن وراءه عشيرة وأتباع، راسخ وإن اضطربت سفينة الحياة، وأحاط بها الموج من كل مكان.
كما أن التوكل على الله هو ثمار الإيمان، والحافز الحقيقي لشحن النفسية، بقوة المقاومة، وروح التحدي والإصرار، وتشحذ فيه العزم الصارم، والإرادة .
فانظر لنبي الله هود في صراعه مع قومه «عاد»؛ يجد من هذا التوكل حصناً حصيناً يلجأ إليه:(قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَِ. إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَِ. مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِِ) ( هود: 53-55 )
وهذا شعيب وقومه يساومون ويهددون: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَِ. قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَِ) (الأعراف: 88، 89).
وانظر إلى موسى بعد أن تميز بقومه عن معسكر الفراعنة يقول لهم: (وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَِ. فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَِ. وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَِ) (يونس: 84 - 86).
وها هم الرسل جميعاً يعتصمون بالتوكل على الله أمام عناد أقوامهم وإيذائهم: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَِ) (إبراهيم: 12).
اظهار أخبار متعلقة
التمسك بالحق
التمسك بشرع الله والالتزام بالحق الذي أنزله، هو القوة الحقيقية التي يستمد منها المؤمن عزيمته، فهو لا يعمل لشهوة عارضة، ولا لنزوة طارئة، ولا للبغي على أحد من البشر، ولكنه يعمل للحق الذي قامت عليه السموات والأرض.
قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون) (الأنبياء: 18)، (وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) ِ(الإسراء: 81).
دخل ربعي بن عامر -مبعوث سعد بن أبي وقاص في حرب القادسية- على رستم قائد جيوش الفرس، وحوله الأتباع والجنود، والفضة والذهب. فلم يبال بشيء منها، ودخل عليهم بفرسه القصيرة، وترسه الغليظة، وثيابه الخشنة، فقال له رستم: من أنت... وما أنتم؟
فقال له: نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فالمؤمن بإيمانه بالله وبالحق على أرض صلبة غير خائر ولا مضطرب؛ لأنه يعتصم بالعروة الوثقى، ويأوي إلى ركن شديد: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌِ) (البقرة: 256).
فالإنسان هو خليفة الله في الأرض، إن تظاهر عليه أهل الباطل، فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير. (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُِ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍِ ) (آل عمران: 173، 174)
وقال تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًىِ. وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًاِ. هَؤُلَاء قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًاِ) ( الكهف : 13 - 15 )
الإيمان بالبعث والدار الأخرة
كان عمير بن الحمام الأنصاري في غزوة بدر يسمع النبي يقول لأصحابه: "والذي نفسي بيده ما من رجل يقاتلهم اليوم -المشركين- فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة".
فيقول عمير: بخ بخ .. مم تبخبخ يا ابن الحمام؟ فيقول: أليس بيني وبين الجنة إلا أن أتقدم فأقاتل هؤلاء فأقتل؟ فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم: بلى، وكان في يد عمير تمرات يأكل منها فقال: أأعيش حتى آكل هذه التمرات؟ إنها لحياة طويلة! وألقى التمرات من يده وأقبل يقاتل ويقول:
ركــضاً إلى الله بغير زاد إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد وكل زاد عرضة للنفاد
وهذا أنس بن النضر يقاتل قتال الأبطال في أحد، ويلقاه سعد بن معاذ فيقول له: يا سعد، الجنة ورب النضر: أجد ريحها من وراء أحد!!
الإيمان بالقدر
المؤمن يعلم أن ما أصابه من مصيبة فبإذن الله، وأن الإنس والجن لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه : (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَِ) (التوبة: 51).
المؤمن يؤمن أن رزقه مقسوم، وأجله محدود، لا يستطيع أحد أن يحول بينه وبين ما قسم الله له من رزق، ولا أن ينتقص ما كتب الله له من أجل.
وكان علي بن أبي طالب يخوض المعامع وهو يقول: أي يومي من الموت أفر؟ يوم لا يقدر أو يوم قدر؟ يوم لا يقدر لا أحذره ومن المقدور لا ينجي الحذر.
الاتحاد مع المؤمنين والإيمان بالأخوة
يستمد المؤمن قوته من إخوانه المؤمنين، فهو يشعر بأنهم له وهو لهم يواسونه عند الشدة، ويؤنسونه عند الوحشة، ويأخذون بيده إذا عثر، ويسندونه إذا خارت قواه.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً" .