كثيرون يتساءلون عن إمكانية أن يقطع الله عز وجل الرزق عن العاصي، والحقيقة هذا أمر لا يجوز نسبه إلى الذات الإلهية، لأن الله عز وجل أجل وأعظم من أن يفعل ذلك، فالله أجلّ من أن يقطع ما عنده بسبب ما عندنا، لكن أيضًا لا ننسى أن الذنوب والمعاصي إنما هي باب كبير للعذاب والغضب من الله عز وجل، وقد يكون أحد تطبيقات هذا الغضب أنه يعاقب العاصي في رزقه مثلا أو في أي شيء آخر، في النهاية الأمر بيده سبحانه، لكن علينا نحن ألا نيأس من رحمته، فمن عصى أو أذنب، عليه أن يتعجل التوبة والاستغفار، بدلا من أن تتوقف حياته على انتظار نزول الغضب.
خشية الله
بالأساس إذا كان العبد يخشى العذاب في الدنيا، أو نزول غضب الله به جراء معصيته، فالأولى أن يتعجل توبته، ويستغفر الله عز وجل، وحينها يبدل الله عز وجل سيئاته حسنات، قال تعالى يوضح ذلك: «إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا» (الفرقان 70).
ماذا لو علمت عزيزي المسلم أن ذا منصب قد غضب عليك لما هنئت بنوم ولا هنئت بطعام ولا شراب، فكيف إذا كان الله سبحانه غاضبًا عليك؟ « وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ » (الأحزاب: 37)، أيضًا بدلا من تصور العذاب أو الغضب من الله، راجع قليلا سريعًا، واخشى من أن استمرار الذنب إنما يقسي القلوب، ومن ثم هنا الخطر، لأنك إذا وصلت إلى هذه المرحلة، ستكون النتيجة ذهاب بلا عودة، وربما خروج من رحمات الله عز وجل، وهو أمر جلل لاشك.
اقرأ أيضا:
لو الدنيا ضدك وأمورك معطلة.. ابحث عن السبب بهذه الطريقةموت القلب
عزيزي المسلم، اخشى أولا موت قلبك، وارجع من فورك إلى الله، ستجده ينتظرك، فعن الإمام الحسن البصري أنه قال عن قوله تعالى: « كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ » (المطففين: 14)، قال: (هو الذنب بعد الذنب حتى يموت القلب).
روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ »، ومن ثم فإن جلال يأتي في قبول التوبة من فورها، بمجرد كلمة تقولها خالصة من قلبك، يفرح بك ربك، ومن ثم لا يمكن أبدًا أن يغضب عليك في رزقك أو أي شيء آخر.