عزيزي المسلم، احذر من كسرة النفس لأنها مؤلمة جدًا، فالله عز وجل سيسألك يومًا عن عين أبكيتها ، وعن قلب أوجعته وآلمته، وعن روح كنت سببًا في فقدها لأمانها واطمئنانها، فاحذر عزيزي المسلم أن يشتكيك أحد إلى الله، واعلم يقينًا أنه حينما يقول الله سبحانه وتعالى: « وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ » (آل عمران: 28)، فهو يريد إخراجك من غفلتك؛ لتبقى يقظا، فلا تتعدى حدود الله، ولا تتجرأ على محارمه، فكن حذرًا في حياتك كلها، ولا تأمَن مكر الله، فإذا اشتكاك أحد إلى الله فأنت إذن في مشكلة كبيرة جدًا.
وهذا ما حدث مع نوح نبي الله عليه السلام، فاسمع ماذا كان بعدما قابَلوا نصحه وإشفاقه عليهم بالسخرية والاستهزاء، أي: بالإيذاء النفسي، قال تعالى: « فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ » (القمر: 10 - 14).
الاعتذار الواجب
عزيزي المسلم، الاعتذار لن يكلفك سوى كلمتين طيبتين، لا يحملان سوى الاعتراف بالذنب، حينها ترفع عن من آذيته أن يشكوك إلى الله، فلا تأخذك العزة بالإثم، واذهب إليه من فورك، واطلب منه أن يسامحك، لأن العاقبة مميتة، ستكون الطرد من رحمات الله عز وجل -والعياذ بالله-، واعلم أنه إذا أغلق الباب دونك، فارجِع إلى نفسك وابك عليها، وتجرد من العوائق، وإياك أن تستهين بالطرد، فقد يكون مقدمة لموقف مماثل يوم القيامة، قال تعالى: « وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ » (آل عمران: 77).
اقرأ أيضا:
رسالة إلى من يدعون الفقر حتى "يخذوا العين".. احذروا قلة البركةأفضل العبادات
عزيزي المسلم، اعلم يقينًا أنه ما عبد الله بأفضل من جبر الخاطر، ويكفي أن الله عز وجل عاتب نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم، لأنه أعرض عن ابن أم مكتوم، وكان أعمى عندما جاءه سائلًا مستفسرًا قائلًا: عَلمني مما علمك الله، وكان النبي عليه الصلاة والسلام منشغلًا بدعوة بعض صناديد قريش، فأعرض عنه، فأنزل الله: « عَبَسَ وَتَوَلَّى * أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى » (عبس: 1 -4).
إذا كان الله عز وجل يجبر بخاطر عبده ابن أم مكتوم، فكيف بنا لا نهتم بالناس ونتعمد إيذاء مشاعرهم!، وقد كان نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم من كريم أخلاقه إذا رد هدية اعتذر لصاحبها تطييبا لخاطره، ففي الصحيحين أن الصعب بن جثامة رضي الله عنه، أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حمار وحشٍي -وهو بالأبواء وهو محرم- فرده صلى الله عليه وسلم، قال صعب: «فلما عرف في وجهي رده هديتي قال: ليس بنا رد عليكَ، ولكنا حرم».