الجواب الحسن وحسن الاعتذار يأسر القلوب، وربما يحول العداوة إلى محبة.
كتب التاريخ والأدب ذكرت الكثير عن أحوال أشخاص تمكنوا بحسن جوابهم أن يحولوا العقوبة إلى عفو، والإساءة إلى إحسان، ومن ذلك:
1-أمر عمر بن عبد العزيز بعقوبة رجل قد كان نذر إن أمكنه الله منه ليفعلن به وليفعلن.
فقال له الوزير رجاء بن حيوة: قد فعل الله ما تحب من الظفر فافعل ما يحب الله من العفو.
2- وتكرر الأمر مع "ابن القريّة" مع للحجاج في كلام له حيث قال: أقلني عثرتي وأسغني ريقي فإنه لا بد للجواد من كبوة ولا بد للسيف من نبوة ولا بد للحليم من هفوة.
فقال الحجاج: كلا، والله حتى أوردك جهنم. ألست القائل في مكان كذا : تغدوا الجدي قبل أن يتعشاكم.
3- وفي مثله: أمر عبد الملك بن مروان بقتل رجل فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أعز ما تكون أحوج ما تكون إلى الله، فاعف له فإنك به تعان وإليه تعود، فخلى سبيله.
4- وضرب الحجاج أعناق أسارى أتي بهم، فقال رجل منهم: والله لئن كنا أسأنا في الذنب فما أحسنت في المكافأة.
فقال الحجاج: أف لهذه الجيف.. أما كان فيهم أحد يحسن مثل هذا.. وكف عن القتل.
5- كما أخذ مصعب بن الزبير رجلا من أصحاب المختار فأمر بضرب عنقه.
فقال: أيها الأمير، ما أقبح بك أن أقوم يوم القيامة إلى صورتك هذه الحسنة ووجهك هذا الذي يستضاء به فأتعلق بأطرافك وأقول: أي رب سل مصعبا فيم قتلني. قال: أطلقوه. قال: إجعل ما وهبت لي من حياتي في خفض. قال: أعطوه مائة ألف. قال: بأبي أنت وأمي، أشهد الله أن لابن قيس الرقيات منها خمسين ألفا، قال: ولم؟ قال: لقوله فيك:
إنما مصعب شهاب من الله .. تجلت عن وجهه الظلماء
ملكه ملك رحمة ليس فيه .. جبروت يخشى ولا كبرياء
تتقي الله في الأمور وقد.. أفلح من كان همه الاتقاء
فضحك مصعب، وقال: أرى فيك موضعا للصنيعة، وأمره بلزومه وأحسن إليه فلم يزل معه حتى قتل.
6- وذكر الأصمعي : أنه لما أتي الحجاج بالإمام الشعبي فقال له: أخرجت علينا يا شعبي؟
قال: أجدب بنا الجناب وأحزن بنا المنزل وركبنا الخوف واكتحلنا السهر وأصابتنا خزية لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء.. فقال الحجاج: لله أبوك. ثم أرسله.