ما أكثر النصائح النبوية التي تلائم زماننا هذا، ومن ذلك أهمية أن تختار الصديق قبل الطريق، إذ يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل»، فحسن اختيار الصديق والخليل يأخذ بأيدينا إلى طريق الحق، ويكون لنا خير معين وناصح عند مشورته.
وما كانت نصيحة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، في اختيار الصديق إلا لمدى تأثيره القوي على صاحبه، فإما يأخذ بيده إلى الحق أو إلى الباطل، فالصديق الصالح لا يقدر بثمن لقوله صلى الله عليه وسلم: «إِنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسلك إما أن يحذيك، وإِما أن تبتاع منه، وإِما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثة».
الوفاء الحقيقي
من يريد أن يعرف معنى الوفاء الحقيقي، عليه أولاً أن يختار صديقه بشكل صحيح، لا أن يختاره دون دراية، فيكتشف أنه لا يليق به مصاحبته، ومن ثم فإن المتتبع لسورة الكهف سيجدها ملأى بالنصائح القيمة في اختيار الصديق الصالح، ومنها أصحاب الكهف أنفسهم وكيف كانوا أصدقاء أوفياء لبعضهم البعض.
وأيضًا بحث سيدنا موسى عن سيدنا الخضر للتعلم والتقرب منه، وفي رحلته إليه يأخذ معه ذا النون صاحبا، ولما يلتقي بالخضر يدله على قصص تحمل معاني قيمة في اختيار الصديق.
والله عز وجل يقدم نصيحة قيمة في هذه السورة في اختيار الصديق، يقول عز وجل: «وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا»، بل أن الله سبحانه ذكر هذه الآية بعد قصة فتية أصحاب الكهف، وما مروا به من محنة وابتلاء عظيم في دينهم.
اقرأ أيضا:
معك على الحلوة والمرة.. فلا تنسوا الفضل بينكمصديق السوء
في المقابل، هناك صديق السوء، الذي يأخذك إلى الباطل، ومن ثم إلى الهلاك وليعاذ بالله، وللأسف الأمثلة تتضمن أسوأ الناس، فلعل أبوجهل مضرب المثل في ذلك، فحينما حضرت أبي طالب الوفاة، زاره النبي فوجد عنده أبو جهل، فقال ياعم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد بها لك عند الله، فقال أبوجهل، يا أبا طالب أترغب عن ملة عبدالمطلب وأجدادك، فظل النبي يكررها على عمه حتى اختار في النهاية ملة عبدالمطلب، وعندها أراد النبي أن يستغفر له فنزلت الآية الكريمة: « مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ » (التوبة: 113).
وأنزل أيضًا بحق أبي طالب، قوله تعالى: « إِنَّكَ لَا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي من يَشَاءُ وهو أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ » (القصص: 56).