الصفات والأخلاق منها ما هو فطري مطبوع ومنها ما هو مكتسب، يزيد وينقص بالخبرة والممارسة، ومن ذلك صفة الشجاعة والجبن.
صاحب السيف:
كان أحد الأشخاص المعروفين بالجبن يدعى أبو حية النميري، وكان له سيف ليس بينه وبين الخشبة فرق، وكان يسميه لعاب المنية.
قال جار له: أشرفت عليه ليلة وقد حمل سيفه وشمر وهو يقول: أيها المغتر بنا والمجترىء علينا، بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل، لعاب المنية الذي سمعت به، مشهور ضربته.
يقول جاره وسمعته يقول: اخرج بالعفو عنك وإلا دخلت بالعقوبة عليك، إني والله إن أدع قيسا تملأ الأرض خيلا ورجلا.. يا سبحان الله، ما أكثرها وأطيبها.. ثم فتح الباب فإذا كلب قد خرج، فقال: الحمد لله الذي مسخك كلبا وكفاني حربا.
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟صاحب الكلب:
كان بالبصرة شيخ يقال له عروة بن مرثد ويكنى أبا الأغر ينزل بمنازل بني أخته، وبنو أخته من قريش، فخرج رجالهم إلى ضياعهم في شهر رمضان وخرج النساء يصلين في مسجدهم فلم يبق في الدار إلا الإماء.
فدخل كلب يبحث عن طعام، فرأى بيتا فدخله وانصفق الباب فسمع الحركة بعض الإماء فظنوا أن لصا دخل الدار فذهبت إحداهن إلى أبي الأغر فأخبرته.
فقال أبو الأغر: ما يبتغي اللص؟ ثم أخذ عصاه وجاء، فوقف على باب البيت وقال: إيه، يا لئيم، أما والله إنك بي لعارف فهل أنت إلا من لصوص بني مازن شربت حامضا خبيثا حتى إذا دارت القدوح في رأسك منتك نفسك الأماني وقلت: أطرق ديار بني عمرو والرجال خلوف والنساء يصلين في مسجدهم فأسرقهم؟
سوءة لك، والله ما يفعل هذا ولد الأحرار، وايم الله لتخرجن أو لأهتفن هتفة مشؤومة يلتقي فيها الحيان وتسيل عليك الرجال من هاهنا ومن هاهنا ولئن فعلت لتكونن أشأم مولود.
فلما رأى أنه لا يجيبه أحد أخذ باللين فقال: أخرج بأبي وأمي، أنت مستور، إني والله ما أراك تعرفني ولو عرفتني لقنعت بقولي واطمأننت إلي. أنا- فديتك- أبو الأغر النهشلي، وأنا خال القوم لا يعصونني، ولن يضرك شيء الليلة فاخرج فأنت في ذمتي وعندي هديتان أهداهما إلي ابن أختي البار الوصول فخذ إحداهما حلالا من الله ورسوله.
وكان الكلب إذا سمع الكلام أطرق وإذا سكت وثب يريد الخروج، ، فتهاتف أبو الأغر ثم تضاحك وقال: يا ألأم الناس وأوضعهم، لا أرى إلا أني لك الليلة في واد وأنت لي في واد، أقلب السوداء والبيضاء فتصيخ وتطرق، وإذا سكت عنك وثبت تريد الخروج، والله لتخرجن أو أزلزل عليك البيت.
فلما طال وقوفه جاءت إحدى الإماء فقالت: أعرابي مجنون، والله ما أرى في البيت شيئا، فدفعت الباب فخرج الكلب شاردا وحاد عنه أبو الأغر ساقطا على قفاه، ثم قال: يا لله ما رأيت كالليلة.. والله ما أراه إلا كلبا، أما والله لو علمت بحاله لدخلت عليه.