من حق الملك، إذا حضره جلساؤه أو محدثوه، أن لا يحرك أحد منهم شفتيه مبتدئاً، ولا يقطع حديثه بالاعتراض فيه، وإن كان نادراً شهياً، وأن يكون غرضهم حسن الاستماع، وإشغال الجوارح بحديثه؛ فإذا فرغ من الحديث فنظر إلى بعضهم، فقد أذن له أن يحدثه بنظير ذلك الجنس من الحديث، وليس له أن يأخذ في غير جنس حديثه.
مع الملك وجهًا لوجه:
1-ليس لمن حدث الملك أن يفسد ألفاظه وكلامه، بأن يقول في حديثه: فاسمع مني أو افهم عني أو يا هذا أو ألا ترى.
2- يجب أن يكون كلامه كلاماً سهلاً، وألفاظه عذبةً متصلة، وسقط كلامه قليلاً.
3- إذا فرغ من الحديث، فليس له أن يصله بحديث آخر، وإن كان شبيهاً بالحديث الأول، حتى يرى أن الملك قد أقبل عليه بوجهه، وأصغى إلى حديثه.
4- إن أعرض لشغل يعرض له، فليس له أن يمر في حديثه، وأن يصل كلامه، فيحتاج الملك إلى الإصغاء إليه، ويحتاج إلى التشاغل بما عرض له، فيجمع عليه أمرين.
5- ومن حق الملك أن لا يضحك من حديثه إذا حدث، لأن الضحك بحضرة الملك جرأة عليه، ولا يظهر التعجب بفائدة حديثه، وإنما هذا إلى الملك، فإن ضحك الملك من الحديث، وأظهر السرور به، فذاك غرض حديثه، وإليه قصد.
6- ومن حق الملك أن لا يعاد عليه الحديث مرتين، وإن طال بينهما الدهر، وغبرت بينهما الأيام، إلا أن يذكره الملك، فإن ذكره، فهو إذن منه في إعادته.
اظهار أخبار متعلقة
فوائد أخرى:
1-يقول روح بن زنباعٍ: أقمت مع عبد الملك بن مروان سبع عشرة سنة من أيامه، ما أعدت عليه حديثاً.
2- وكان الشعبي يقول: ما حدثت بحديث مرتين لرجلٍ بعينه قط.
3- وكان أبو العباس يقول: ما رأيت أحداً أغزر علماً من أبي بكر الهذلي، لم يعد علي حديثاً قط.
4- وقال ابن عياش: حدثت ألخليفة أبا المنصور أكثر من عشرة آلاف حديث. فقال لي ليلةً، وقد حدثته عن يوم ذي قارٍ: قد اضطررت إلى التكرار، يا ابن عياش! قلت: ما هذا منها يا أمير المؤمنين قال: أما تذكر ليلة الرعد والأمطار، وأنت تحدث عن ذي قار، فقلت لك: ما يوم ذي قار بأصعب من هذه الليلة؟
5- وكان أحد ندماء المهدي ظريفا يعيد الحديث مراراً، وذلك أن أكثر أحاديثه مضاحيك، وكانت تعجب المهدي فيستعيده.