تزكية النفس هي الغاية العظمى من استقامة العبد المؤمن وإخلاصه لله و هي الهدف من كل العبادات الحركية والقولية مفهوم تزكية النفس تُعرَّف التزكية في اللغة على أنَّها الطهارة، كما أنَّها الزيادة والنماء، وهي مصدر للفعل زكَّى، فإذا قيل: زكَّى فلانٌ ماله: أي أنماه وزاده.
أمَّا في الاصطلاح أي ما يُراد بالتزكية في الشرع، فيرتبط مفهوم التزكية في الشرع بالنفوس، وتزكية النفوس أي تطهيرها وتحسينها وإصلاحها، ويكون هذا التطهير والإصلاح بالعمل الصالح، وبالتزام أوامر الله تعالى والابتعاد عن كلِّ ما نهى عنه، وجدير بالذكر أنَّ الإمام الغزالي عرَّف التزكية النفس بقوله: "هي تكميل النفس الإنسانية بقمع أهوائها وإطلاق خصائصها العليا"، كما أنّ تزكية النفس وردت في قول الله تعالى في سورة الشمس: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا}،والخلاصة إنَّ التزكية هي التطهير وتدريب النفس وكبح أهوائها وزيادة محاسنها ومكارم الأخلاق فيها، وهذا المقال سيتحدَّث عن وسائل تزكية النفوس إضافة إلى حكم تزكية النفوس وأهميتها.
لتزكية النفس وتطهيرها من أدرانها ومن كلِّ أمراض القلوب التي تعصف الإنسان أهمية كبيرة، تظهر هذه الأهمية من خلال الآيات والأحاديث النبوية الشريفة التي أشارت إلى أهمية النفس وأهمية حسن التعامل معها في الإسلام، وتنبع أهمية تزكية النفس في أنَّ أطول قسم في القرآن الكريم كان قسم الله تعالى بالنفس، حيث قال تعالى في سورة الشمس: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا* وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا* وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا* وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا* وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا* وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا* وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}، فقسم الله تعالى بالنفس دليل على أهميتها وعلى خطورتها وضرورة حسن كبحها حتَّى لا يهلك المرء بفعال نفسه، كما تظهر أهمية تزكية النفس في أنَّ تطهير النفس وتزكيتها كان غاية من غايات رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث قال تعالى في سورة الجمعة: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}،كما أنَّ أهمية تطهير القلوب والنفوس تظهر في حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي قال فيه: "ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً: إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألَا وهي القَلْبُ".
وتكمن أهمية تزكية النفس في كون النفس ألدَّ أعداء الإنسان، فهي لا تكفُّ عن دفعه غلى العصيان والطغيان، لذلك استعاذ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من شرِّها، وقال ابن القيم: "وقد اتفق السالكون على اختلاف طرقهم وتباين سلوكهم على أن النَّفس قاطعة بين القلب وبين الوصول إلى الربّ، وأنه لا يدخل عليه سبحانه ولا يوصل إليه إلا بعد إماتتها والظفر بها"، وجدير بالذكر أيضًا أنَّ تزكية النفس طريق نحو الجنة، حيث قال تعالى في سورة النازعات: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِىَ ٱلْمَأْوَىٰ}.
ولأنَّ الإنسان كائن مفطور على حبِّه للكمال، فإنَّه يجب أن يبحث دائمًا عن طهارة نفسه وتزكيتها، لأنَّه كسائر الجسد تتعرَّض للأمراض والنزوات غير الحميدة، فعلى الإنسان أن يقوِّم النفس ويحسن إدارتها ويهذِّبها، وقد جاء في صحيح الإمام مسلم عن زيد بن الأرقم قال: "لَا أَقُولُ لَكُمْ إلَّا كما كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يقولُ: كانَ يقولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِنَ العَجْزِ، وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، القَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا"،وهذا الحديث يظهر كيف أنَّ رسول الله كان يستعيذ من شر نفسه، وهو دليل على أهمية تزكية النفس في الإسلام، بحسب "سطور".
و لتزكية النفس مجموعة من الطرق والوسائل التي يجب على المسلم أن يتبعها حتَّى يُحسن تزكية نفسه وتطهيرها وكبح أهوائها ودفعها إلى النمو وإلى التحلِّي مكارم الأخلاق التي دعا إليها الإسلام، وفيما يأتي سيتم تسليط الضوء على أبرز وسائل تزكية النفوس:
إقامة الصلاة:
تُعدُّ الصلاة من أهم وسائل تزكية النفوس في الإسلام، وتكون الصلاة وسيلة من وسائل تزكية النفوس عندما يؤديها المسلم بخشوع وخضوع تامَّين.
الزكاة:
وهي من وسائل تزكية النفس، فهي تطهِّر من الشح والبخل وتدفع النفس إلى البذل والعطاء في سبيل الله تعالى.
الصيام:
يُعدُّ الصيام من وسائل تطهير النفس لأنَّه يجاهد النفس ويدفعها إلى الصبر، فيقوِّي إرادتها وعزيمتها.
الحج:
يُعدُّ الحج أيضًا من العبادات التي تطهِّر الفنوس؛ وذلك لما في الحج من تدريب ومشقة في تنفيذ أوامر الله تعالى، ولما فيه من جهاد للنفس في سبيل تحمل التعب والنصب الذي يناله الحاج من أداء مناسك الحج.
أداء النوافل:
تُعدُّ النوافل كافة؛ سواء كانت نوافل الصيام أو الصلاة أو قراءة القرآن الكريم أو العمرة، من أهم وسائل تزكية النفوس، حيث قال تعالى في الحديث القدسي: "وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ"، أي إنَّ النوافل تقرِّب العبد من ربِّه وتساهم في تطهير نفسه وتقويم أخلاقه وسلوكه، وأكثر ما يطهر النفس من النوافل، هي النوافل التي تحتاج خضوعًا ومذلة لله تعالى.
محاسبة النفس ودوام التوبة:
تُعدّ المحاسبة والتوبة والندم على الذنوب من أهم وسائل تزكية النفس، حيث قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية".
الاستغفار:
يُعدّ التزام الاستغفار من أهم وسائل تطهير النفس وتزكيتها، حيث قال تعالى في سورة آل عمران: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، ففي الاستغفار تُغفر الذنوب وتُطهّر النفوس.
مخالفة النفس وعدم تلبية رغباتها:
إنَّ مجاهدة النفس وعدم تلبية أهوائها ورغباتها من أعظم وأهم وسائل تزكية وتطهير النفس في الإسلام، حيث قال الغزالي: "اعلم أن أعدى عدوّك نفسك التي بين جنبيك، وقد خُلقتْ أمارةً بالسوء، مبالغة في الشر، فرارة من الخير، وأمرت بتزكيتها وتقويمها وقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربها وخالقها ومنعها عن شهواتها وفطامها عن لذاتها، فإن أهملتها جمحت وشردت ولم تظفر بها بعد ذلك".
إنَّ تزكية النفس في الإسلام لا تجوز إذا قُصد بالتزكية المدح أو الحديث عن أشياء لا ينبغي الإخبار بها حتَّى لا تُصبح رياءً، فينبغي على المسلم أن يتمم نفسه وأن يجتهد في كبحها وفي تقويمها وجعلها على الطريق المستقيم، وإذا سُئل المرء عن نفسه فلا بأس أن يتحدث عنها بقدر الحاجة فقط دون رياء ولا بقصد السمعة.
أمَّا تطهير النفس وتزكيتها بالوسائل المذكورة سابقًا، فهو فرض عين على كلِّ مؤمن كما رأى الغزالي رحمه الله، فينبغي على المسلم أن يعرف أمراض القلوب وأن يحسن تطهيرها، وذهب جمهور أهل العلم إلى أنَّ التزكية التي هي بمعنى التطهير من المرض فرض على كلِّ من تحقَّق أو ظن وجود مرض في قلبه، وتعلُّم معرفة أمراض القلوب فرض كفاية على عامة الناس، واستدلَّ الغزالي في رأيه هذا في أنَّ الأصل عند الغزالي في الإنسان هو وجود الأمراض في القلب، لذلك كان فرض عين على المسلمين الالتزام بتزكية النفس وتطهيرها، واستدلَّ في أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- والذي هو خير البشر، شُقَّ صدره لكي تُخرج منه المضغة التي هي أصل الأمراض، ورأى الجمهور أنَّ الأصل هو السلامة من أمراض القلوب، حيث قال تعالى في سورة الروم: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.
وعليه يكون حكم تزكية النفوس في الإسلام أنَّ تزكية النفس فرض على كلِّ من تحقَّق من وجود مرض في قلبه، فعليه أن يسعى وأن يتَّبع وسائل تزكية النفس التي دلَّ عليها الشرع وفصَّل فيها،[٨] وقال ابن الجوزي في كتابه صيد الخاطر عن كيفية التعامل مع النفس البشرية: "المؤمن العاقل لا يترك لجامها ولا يهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت والزمام بيده فما دامت على الجادة فلا يضايقها بالتضييق عليها، فإذا رآها مالت ردها بلطف، فإن ونت وأبت فبالعنف".
اقرأ أيضا:
معصية تحبط العمل وتكب الناس في نار جهنم.. تعرف عليها لتحذرهااقرأ أيضا:
امنية لا تطلبها أبدًا.. هؤلاء هم أشر أهل الأرض