بقلم |
محمد جمال حليم |
السبت 12 اكتوبر 2024 - 05:53 م
لقد جاءت شريعة الإسلام لتحقق مصالح العباد؛ ولتحقيق مصالِح العباد، وجدنا علماءنا في الفقه والشريعة أجمعوا على مقاصد الشريعة، والتي منها: حفظ الأنفس، وحفظ الدماء.. 1.ولقد اهتمَّ الإسلامُ منذ أول لحظة بدأ فيها رسول الله تبليغ الدّعوة، اهتمّ بالإنسان وأكّد على حريته وكرامته وقيمته مهما كان نوعه أو جنسه أو توجّهه، وأنشأ النبي دارًا لتربية الإنسان والاهتمام به، بل بالغ الإسلام يوم أن جعل دماء الإنسان أقدس من هدم الكعبة حجرًا حجرًا، بل جعل زوال الدنيا أهون عند الله من قتل إنسان: ففي الحديث: «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ» فبناء الإنسان والحفاظ على بنيانه أهمّ من بناء الحجارة والعمران!!! وفي الحديث: (ما أطيبك وما أطيب ريحك، ما أعظمك وما أعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم حرمة عند الله حرمة منك ماله ودمه....).. 2.ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان في خلقه: أنّ الله خلقه في أحسن تقويم: {لَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ونفخ فيه من روحه: {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}. {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُواْ لَهُ سَـٰجِدِينَ} وأمر الملائكة بالسجود لآدم: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ}. وتعليم آدم الأسماء كلها: {وَعَلَّمَ ءادَمَ ٱلأسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلَـٰئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَاء هَـؤُلاء إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ . قَالُواْ سُبْحَـٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ} وجعل الإنسان خليفة في الأرض: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَـٰئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِى ٱلأرْضِ خَلِيفَةً} وتفضيل الإنسان على كثير من المخلوقات: {....وَفَضَّلْنَـٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} ثم تسخير المخلوقات للإنسان: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا في ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَمَا في ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مّنْهُ إِنَّ في ذَلِكَ لآيَـٰتٍ لّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. 3.وقد جعل الله تعالى الحياةَ هبة ربانية وليست عطية بشرية ومن ثمّ فلا يقضي بانتهائها إلا خالقها: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان إذا اسْتَيْقَظَ يقول: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي فِي جَسَدِي، وَرَدَّ عَلَيَّ رُوحِي وَأَذِنَ لِي بِذِكْرِهِ» يَشْكر الله على ردّ روحِه إليه؛ لأنّ الحياة هبة من الله وملك الله وليست حتى ملك الإنسان نفسه. 4.أكّد الإسلام على حرمة إيذاء الإنسان عمومًا ولو ببث الشائعات عنه، وحمّل الإسلام من يؤذيه -بغير حق- الإثم الظاهر والعذاب الأليم؛ قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا} [الأحزاب: 58]. مع تغليظ وتشديد الجُرْم على كل ما يؤدّي إلى ترويعه وإرهابه وإرعابه بأي وسيلة، ولو برفع حديدة في وجهه. 5.التأكيد على حرمة دم الإنسان، وعدم إزهاق روحه بلا ذنب، وتعظيم عقوبة فاعل ذلك، فوردت في سبيل ذلك الآيات والأحاديث.. وهناك تفصيلات أخرى فيما يتعلّق على وجه الخصوص بحرمة الدم البشري وَرَدَت به النصوص على النّحو التالي: ثانيًا: تأكيدات القرآن والسنة على حُرْمة الدماء البشرية ولو كانت لغير مسلِم: 1.من بين مقاصد الشريعة الإسلامية: حفظ النفس، ومن حفظ النفس، حفظ الدماء من أن تهدر وتسفك بغير حق. لذلك كان العنف والترهيب والقتل والترويع والتنكيل، كل ذلك محرما في شريعة السماء، من لدن آدم إلى خاتم الأنبياء والمرسلين عليه الصلاة والسلام، لا فرق في ذلك بين نفس مؤمنة ونفس كافرة. ولا موجب لقتل النفس المحرمة إلا بالحق، والحق كما هو محدد في قواعد القصاص في شرع الله.. 2.ورد في القرآن تأكيد في حق المؤمن ألا يُقْتَل، فقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]. إنها عقوبات خمس لمن تورّط في قتل نفس إنسان وإزهاق روحه، جهنم، والخلود فيها، ونيل غضب الله، وطرده من رحمته سبحانه، والعذاب العظيم الذي لا يعلم مداه إلا الله تعالى. 3.وقال عزّ وجلّ بصيغة العموم -في حقّ كل الأنفس البشرية-: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان: 68، 69]. ففي هذه الآية الكريمة توعّد الله تعالى من تعوّد إزهاق الأرواح بغير وجه حقّ بمضاعفة العذاب له، والخلود في نار جهنّم حيث شاء الله.. فمن يتحمّل عذاب النار؟ ومن يصبر على حرِّها وشرّها؟!! 4.ويقول الله تعالى بعد أن ذكر لنا قصة أول قتل في الوجود البشري، قصة القتل بين ولدي آدم –عليه السلام-، فقال سبحانه: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ} [المائدة: 32]. يقول ابن حجر -رحمه الله تعالى-: ((وجعل قتل النفس الواحدة كقتل جميع الناس مبالغة في تعظيم أمر القتل الظلم وتفخيما لشأنه أي كما أن قتل جميع الناس أمر عظيم القبح عند كل أحد فكذلك قتل الواحد يجب أن يكون كذلك فالمراد مشاركتهما في أصل الاستعظام)).