المحروم الحقيقي هو الذي يعلم أن وقت الضحى يمتد إلى نحو 6 ساعات ولا يصلي ركعتين لن يأخذا من وقته أكثر من 5 دقائق من وقته، وهو الذي يعلم أن الليل به نحو 11 ساعة ولا يصلي ركعة وتر لن تأخذ من وقته أكثر من دقيقتين، وهه الذي يعلم أن اليوم 24 ساعة ولا يقرأ جزءًا واحدًا من القرآن لن يتجاوز مدته 20 دقيقة.
فالوقت عزيزي المسلم هو رأس مال المرء، فهو حياته، فحياة الواحد منّا ما هي إلا أيام وأسابيع وشهور وسنون، والمرء في هذه الحياة في تجارة مع ربه، فماذا لو لم يغتنم هذا الوقت بشكل صحيح.
قال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ» (فاطر: 29)، فلتكن هذا الرجل الذي ينظم وقته بين عمله وبين عبادته لربه.
الرابح الحقيقي
أوتدري عزيزي المسلم، أنه بعد الموت ستكتشف من هو الرابح الحقيقي، فالمحسن يود أن لو ازداد في عمله، والمفرط يندم على تفريطه ويتمنى الرجعة للدنيا مرة ثانية ليستدرك ما فات.
قال تعالى: «حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ» (المؤمنون: 99 - 100)، ومن ثم فإن أوقات الفراغ أكثر الناس خاسر فيها للأسف، إذ لا ينتفع بها تمام الانتفاع، فلا تكن سببًا في رفع درجاته أو الحط من سيئاته.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم: «نِعْمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاس: الصحَّة والفراغ».
اقرأ أيضا:
معك على الحلوة والمرة.. فلا تنسوا الفضل بينكمتنظيم الوقت بين العبادة والعمل
للأسف يتصور البعض أن هذه الأيام ليست بأيام اختبار، فيضيعها فيما لا يفيد على الإطلاق، أو تجد آخر يتصور أن وقته إنما للجلوس في المسجد، وهذا ليس بصحيح ولا هذا بصحيح، بل علينا بتنظيم أوقاتنا بين العبادة والعمل بما يبني الأمم، ويجهز نفسك ويقويها على تقوى الله، وهما طريقان لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر أبدًا.
عن أبي جحيفة قال: آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين سلمان وأبي الدرداء، فزار سلمان أبا الدّرداء فرأى أم الدرداء متبذِّلة، فقال لها: ما شأنُك؟ قالت: أخوك أبو الدرداء ليس له حاجة في الدنيا، فجاء أبو الدرداء فصنع له طعامًا فقال: كل، قال: فإنِّي صائم، قال: ما أنا بآكِل حتى تأكُل، قال: فأكَل، فلمَّا كان الليل ذهب أبو الدرداء يقوم، قال: نم، فنام، ثم ذهب يقوم، فقال: نَم، فلمَّا كان من آخِر اللَّيل، قال سلمان: قم الآن، فصلَّيا، فقال له سلمان: "إنَّ لربِّك عليْك حقًّا، ولنفسك عليْك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"، فأتى النبي صلى الله عليْه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صدق سلمان».