ارتبطت سيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد بالكثير من البطولات والغزوات فلا يكاد يذكر اسمه حتى يتبادر إلى ذهنه القتال والجهاد.
وفي مقاله البحثي أوضح د.عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية جوانب مضيئة من سيرة الصحابي الجليل خالد بن الوليد.
خالد بن الوليد وجهاده :
ويضيف "عويس" أنه نشأ في أسرة ثرية ، وبيت شريف ، أبوه الوليد كان سيد قومه ، وكان يكسو الكعبة وحده عاماً ، ويكسوها أهل مكة جميعاً عاماً ، وكان يُلقب بريحانة قريش ، وقد هاجر خالد سنة (7هـ) ، وقيل (8 هـ) ، وسمّاه رسول الله (سيف الله) .
ـ حارب الإسلام وكان بطلاً ، وكان السبب الأكبر في هزيمة المسلمين في أحد !!
ـ وحارب في سبيل الإسلام فتألقت بطولته بالعقيدة الجديدة ، وخرج من دائرة البطل المحلـّيِّ إلى دارة البطولة العالمية .
وقد ولد قبل الإسلام بثمانية وعشرين عاماً، أسلم خالد سنة (سبع أو ثمان من الهجرة)، ففي صفر من سنة (8هـ) قدم عمرو بن العاص ومعه خالد بن الوليد ، وعثمان بن طلحة .
سبب إسلام خالد بن الوليد:
ويوضح د عويس سبب إسلام خالد بن الوليد فيقول إن هناك عدة لمسات منها ما يلى:
اللمسة الأولى: التي نفذت إلى قلبه فهي ما رآه من الرسول r ، وأصحابه حين صلوا أمامه في الحرب (صلاة الحرب) خاشعين ، فوقعت هذه (الصلاة الحربية) من نفسه موقعاً عظيماً مع أنه كان يتحرش بالرسول ، وقد كان الرسول يدرك ما في نفوس المشركين من التربص به ، وبأصحابه، لكن لم يصرفه ذلك عن أداء صلاة العصر.... فقال صاحبنا في نفسه (إن هذا الرجل ممنوع) أي إن هناك قوة كبرى تحرسه، وتحميه؛ فلما صالح الرسول r قريشاً في الحديبية شعر صاحبنا بأن الإسلام له شأناً ، لدرجة أنه عندما دخل الرسول r مكة في عمرة القضاء لم يستطع صاحبنا أن يبقى في مكة ليشهد دخول محمد وأصحابه.. لقد كان تائها عن نفسه ، يريد أن يتخذ القرار ، لكن بقايا الجاهلية كانت تشده إليها ...
وأما اللمسة الثانية فقد كانت كلمة واحدة قالها الرسول r عنه ... هذه الكلمات وصلت إلى صاحبنا في رسالة من أخيه (الوليد بن الوليد) أرسلها إليه ، وكان الوليد قد أسلم .
"بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد فإني أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام ، وعقلك عقلك ، ومثل الإسلام جهله أحد؟ وقد سألني رسول الله r عنك ...؟ فقلت : يأتي الله به. فقال : مثله جهل الإسلام ؟ ! ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين كان خيراً له ، ولقدمناه على غيره فاستدرك يا أخي ما قد فاتك من مواطن صالحة ...
قال خالد بن الوليد : فلما جاءني كتابه نشطت للخروج ، وزادني رغبة في الإسلام ، وسرني سؤال رسول الله r عني ... وكان هذه هي اللمسة الثانية ..
أما اللمسة الثالثة: فقد تمثلت في رؤيا رآها خالد بعد أن اتجه كيانه إلى الحق .. وأخذ يلح عليه في الوصول إلى شاطئ النجاة ... لقد رأى في النوم كأنه في بلاد ضيقه مجدبة ، وأنه خرج منها إلى بلاد واسعة خضراء فشعر بأن البلاد الخضراء الواسعة إنما هي الإسلام ، وأن الأرض الضيقة المجدبة هي الجاهلية التي يعيش فيها ...
كانت هذه اللمسات الثلاثة التي استطاعت أن تدخل إلى أعماق (خالد) ، وهي التي دفعته دفعاً إلى الإسلام ... لقد ضاقت عليه الدنيا ، فأصبح يحس بأنه مجرد سجين ينتظر الإفراج ، فأخذ يبحث عن رفيق يعبر معه أسوار الجاهلية العالية ، وهناك عندما وصل إلى الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بصحبة عثمان بن طلحة شعر بأنه خرج من السجن إلى دنيا الحرية . وكم كانت سعادته غامرة وهو يرى ابتسامة الرسول r حين استقبله قائلاً بعد أن سمع منه الشهادتين : "الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يسلمك إلا إلى الخير ...".
وانطلق خالد بن الوليد t يكتب في تاريخ الإسلام صفحات من المجد يشهد لها المؤرخون
ـ من مسلمين وغير مسلمين ـ على امتداد القرون.
جهاد خالد بن الوليد:
خاض خالد بن الوليد رحلة من الجهاد المتواصل المح إليها د عويس سبب لما نقله الأستاذ (زهير صادق الخالدي) في كتابه (أبطال من التاريخ العربي الإسلامي) عن (الموسوعة العسكرية للمؤسسة العربية للدراسات في بيروت الصادرة عام 1979م) أن الخليفة
أبا بكر قد كتب إلى خالد بن الوليد ... وكان يومئذ باليمامة يأمره بالتوجه إلى العراق لمحاربة الفرس ، ويقول له :
"سر بالتوجه إلى العراق حتى تدخلها ، وابدأ (بالأبلة) (بلدة على مدخل البصرة) ، ثم أمر غياض بن غنم أن يدخل العراق من أعلاها بادئاً بالمصيخ (موقع على حدود الشام مما يلي العراق) حتى يلقى خالداً ، وكان مع خالد حين تلقى أمر الخليفة عشرة آلف فارس ، ثم لم يلبث المثنى بن حارثة الشيباني (وكان على حدود العراق من جهة الجزيرة) أن أمده بثمانية آلاف مقاتل، فبلغ جيش خالد ثمانية عشر ألف مقاتل وكانت وقعة (ذات السلاسل) هي أولى المعارك لخالد في العراق ، انتقل بعدها إلى الثني (أو المذار) ، ثم إلى الولجة ، فاليس ، فالحيرة، فالأنبار (وهي وقعة ذات العيون)، فعين التمر ، فدومة الجندل ، فالحصيد ، فالخنافس ، فالمصيخ , والزميل ، والفراض ، وكانت آخر معارك خالد في العراق ...
والجدير بالذكر أن جميع هذه المعارك حدثت سنة (12هـ) وأنَّ خالداً لم يهزم في واحدة منها قط ، وكانت هذه الضربات المتتابعة المتلاحقة التي وجهها خالد إلى جيش الفرس في مركز قوته بالعراق؛ أهم أسباب انهيار الإمبراطورية الفارسية في وجه المد الإسلامي (انظر : زهير الخالدي:أبطال من التاريخ العربي الإسلامي ،84 ، 85 ، بتصرف، بغداد)...
كانت هذه الانتصارات سبباً في تعلق الناس بخالد ورغبتهم في إيثاره وإيثار الجهاد معه على غيره من قادة الإسلام الكبار ، وكان هذا.. رحم الله الصحابي الجليل خالد بن الوليد رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته..