يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ»، فما معنى ذلك؟.. كيف نتعرف على الله سبحانه وتعالى كل يوم بشكل جديد؟.
علينا بداية أن نعرف جيدًا أن علاقتنا مع الله عز وجل أبدية لا نهاية لها، ومن ثم فإن عبادة كل يوم إنما هي في شأن مختلف معه، فكل يوم يعرفنا ويعلمنا عن نفسه سبحانه، وكل يوم يتعرف العباد عليه بشكل مختلف، فيصير لهم كل يوم شأن وقدر مختلف بحسب المعارف والمعاني التي حصلوها، فهو الذي يُطعم ولا يُطعم، وهو القاهر فوق عباده، يعلم ما في البر والبحر، وهو الذي يستمع للجميع ويلبي مناجاتهم من فوره، ولا ينقص ذلك من ملكه شيء، ولمّ لا وهو الذي يقول: «يا عبادي لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد، فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي».
مشيئة عظيمة
فمشيئة الله عظيمة لاشك، ليس فوقها أو دونها شيء، (لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء)، وجميع أفعاله سبحانه وتعالى صادرة عن حكمته ومشيئته، منزهة عن العبث، فهو الذي قال: «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» (سورة الدخان:38-39).
لذا فإن لمعرفة الله عز وجل لذة لا يضاهيها شيء مهما كان، ومن ثم فنحن بحاجة ماسة إلى معرفة الله معرفةً حقيقية، لتزداد خشيتُنا له، وخوفنا منه، ورجاؤنا فيه، وتوكلنا عليه، وقيامنا بحقوقه، وتعظيمنا لشعائره، ووقوفنا عند حدوده.
فقد سأل نبي الله موسى عليه السلام ربه: (أي رب، أي عبادك أخشى لك)؟ فقال سبحانه وتعالى: «أعلَمُهم بي»، وصدق الله إذ يقول: « إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ » (فاطر: 28).
اقرأ أيضا:
معك على الحلوة والمرة.. فلا تنسوا الفضل بينكماستح من الله
من أغرب الأمور في زماننا هذا، أنك ترى العبد يستحي من الناس ولا يستحي من الله، ولو سألته عن الله لأكد لك أنه سبحانه يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
فقد روى أحمد عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات مرة على المنبر: « وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ » (الزمر: 67)، ورسول الله يقول هكذا بيده، ويحركها؛ يقبل بهما ويدبر: ((يمجد الرب تعالى نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا الملك، أنا العزيز، أنا الكريم))، فرجف المنبر برسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قلنا: ليخرن به".