كثير منا حينما يرفع يديه إلى السماء، قد لا يعرف معنى ما يقول، وهو أمر لا يجوز، إذ أنه على لابد أن يكون الإنسان على دراية كاملة بكل ما يطلبه من الله عز وجل، ومن الأدعية الشائعة عند الناس: (اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحد من خلقك) ثم يطلب ما يشاء من أمور الدنيا والآخرة، فهل تعرف معنى (ماضٍ في حُكمك)؟.
المعنى أن الله عز وجل هو الفاعل الحقيقي فينا، فمن اعتقد ذلك كف عن لوم نفسه عند وقوع الأذى والبلاء به فمالك الملك حكمه نافذ.. وأما (عدل في قضاؤك)، فإنه إذا اعتقد الإنسان أن الله عدل، يفعل في عبده ما يشاء الملك ملكه والحق حقه؛ كف عن المطالبة بما يتوهم أنه حقه، وزال التبرم والضجر مما يرد عليه من قضاء الله.
عدل مطلق
فالله هو العدل المطلق لاشك في ذلك، والمؤمن يعلم أن الله عز وجل إذا قدر بلاءً ومصيبة، قدر مرضاً أو قدر حادثة معينة، من الطبيعي أن يكرهها المؤمن لكنه يرضى بها، وإن كان لا يحبها يستسلم لأمر الله، فالإنسان يستسلم لأمر الله في مرضه، وإن كان لا يحب المرض، يستسلم لأمر الله في خسارته في تجارته، وإن كان لا يحب الخسارة، فحب الشيء أمر، والرضا به أمر آخر، لذلك فإن هذا المؤمن يعلم جيدًا ما لهذا البلاء ولتلك المصيبة من أجر عظيم.
فقد ثبت عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِن عظم الجزاء، مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط».
اقرأ أيضا:
معك على الحلوة والمرة.. فلا تنسوا الفضل بينكمالرضا بالقدر
إذن ليس على المؤمن الموقن في الله جل اليقين، إلا أن يؤمن بما نزل به، سواء خير أو شر، فلو كان خيرا شكر، ولو كان شرًا صبر، فعن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
والرضا بالقدر يعني التصديق الجازم بأن كل ما يقع في هذا الكون من الخير والشر فهو بقضاء الله وقدره، وأنه لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، قال الله تعالى: « مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ » (الحديد: 22، 23).