ربّي الإسلام أتباعه على العزة والكرامة، وساوى الإسلام بين السادة والعبيد، وجعل خير الناس أتقاهم، فقال تعالى في سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)".
وهو مفهوم جليل ومعنى عظيم من معاني القرآن الكريم ليهذب المشاعر ويشحذ الهمـم للإنسان المسلم الذي يثق في ربه، ولا يأخذ من كرامته لأي سبب من الأسباب، لأنه يعلم ببساطة أنه أجله محتوم، ورزقه بيد الله، فلا داعي لأن يهين الإنسان نفسه لأي سبب من الأسباب، وهو من كرمه الله الله بقوله: "{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}[آل عمران : 139].
فالنداء الرباني {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} ثم السبب {وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ}، إنه عز المؤمن وشرفه، والبلسم الشافي الذي يضعه القرآن بأسلوبه الذي يخالط تطلعات القلوب، فالمسلم عالي الهمة والشرف والمكانة، لا يقبل الهوان أو الذل، فنحن الأعلون في المنهج وفي القيم وفي المبادئ، وهو مبدأ الإيمان الذي هو شرط العلو {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلْأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ} [محمد : 35] . {وَٱللَّهُ مَعَكُمْ} ومن كان الله معه فلن يخذله.
فالمنافق والكافر يفرح بالشر وبقوته وطغيانه وغطرسته، والمؤمن يفرح بربه ووعده عز وجل له، وبدينه، وبشرفه، فيأتي ذلكم النداء ليشفي غليل تلكم القلوب المؤمنة المكلومة {وَٱللَّهُ مَعَكُمْ} ليرفع المؤمنُ صوتَه عالياً في وجه الشر والذل وكل من يسعى لإهانته.
كيف تكون عالي الهمة ولا تعطي من كرامتك؟
الإنسان المسلم صاحب دين، يعلو منهجه وتسموّ مبادئه، لأنها مبادئ وقيم استمدَّت علوَّها من الوحي المنزل من السماء، منهجاً لم يجعل للأشخاص مكاناً لتقديسهم، ولا للطغاة موقعاً لطغيانهم وصنع أوثانهم، إنّه منهج السماء بصفائها وعلو قدرها.
كما أن المسلم يؤمن بمعية الله تعالى للمؤمنين عامة، فلا تهنوا ولا تحزنوا.
اقرأ أيضا:
8فضائل للنهي عن المنكر .. سفينة المجتمع للنجاة ودليل خيرية الأمة الإسلامية ..تكفير للذنوب ومفتاح عداد الحسناتأهمية الكرامة:
وتزداد كرامة الإنسان أهميّةً وضرورةً في أيامنا هذه، ومما يجدر الإشارة إليه أن الكرامة الإنسانية تعد من خمسة أصولٍ أرسل الله رسله للحفاظ عليها ووقاية شعوبها، بما لا يتنافى مع الفطرة السليمة والشرع القويم، وينسحب هذا المعنى إلى الماضي والحاضر والمستقبل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن لوازم حق الكرامة ومتطلباتها أن يحترم الإنسان كرامة الآخرين وألاّ يُؤذى إنسانٌ بآخر في حضرته، وألاّ يهان في غيبته، سواء كان هذا الإيذاء بالجسم، أم بالقول، فكما حرم الإسلام الإيذاء البدني، حرّم الإساءة اللسانية أيضًا من الهمز، واللمز، والتنابز بالألقاب، والسخرية، والغيبة، والشتم، وسوء الظن بالناس وما إلى ذلك من المعاملات المهينة الشنيعة.
والضابط الرئيسي في احترام كرامة الإنسان كما أوضح الإسلام ، هو احترامه كإنسان، وليس لما يملكه من جاه أو مال، وليس لما يتمتّع به من صفات جسمية أو عقلية، وليس لما يتّصف به من مواهب وعطاءات.
ومن مظاهر التكريم الرباني، للإنسان، استخلافه في الأرض ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلـٰـئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾(17).
والخلافة الإلهية هي أكبر كرامة وأعظم شرف يتحلى بها الإنسان على الأرض، ولما كان الله تعالى متصفًا بصفات الكمال، إذًا لا بد أن يكون خليفته صاحب شرف وكرامة.