د. عبد الحليم عويس يوضح علاقة ابن حزم بالتاريخ
عُرِف ابن حزم الأندلسي كفقيه وأصولي وعالم أديان؛ إلا أنه لم يعرف بأنه مؤرخ، مع أن صفة المؤرخ صفة أصيلة لدى ابن حزم ، وليست صفة عارضة، اجتمعت إلى جانب صفاته الأساسية؛ بل إن ابن حزم إلى جانب تراثه التاريخي الذي يضعه في عداد كبار المؤرخين .
اقرأ أيضا:
هل القلوب تصدأ .. وما الفرق بين "الران" و" الطبع" على القلب؟
ويبين د. عبد الحليم عويس أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية أن ابن حزم عاش أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الأندلسي المعروف (بابن حزم) (386 / 456هـ ـ 996 ـ 1063م) حياة خصبة في ظل ظروف قلقة؛ هي عصر الطوائف الأندلسيّ(422/ 478هـ ـ 1030/ 1085م)؛ الذي انقسمت فيه الأندلس إلى ثنتين وعشرين دولة، ولم يغفل المستشرقون الإشادة بهذا الجانب عند ابن حزم ؛ بل جاءت أبحاث كثير منهم تعالج هذا الجانب عنده، وتتناول مؤلفاته التاريخية بالدراسة والتحليل، ومن بينها ـ إلى جانب كتبه التاريخية التي تحمل عنواناً تاريخياً.
مفهوم التاريخ عند ابن حزم :
ويضيف في مقال له عن ابن حزم جاء تحت عنوان: "ابن حزم مؤرخا" أن ابن حزم ينتمي للجيل الأول الذي كان التاريخ عنده امتداداً لعلم الحديث، وقد أدت هذه النظرة إلى التاريخ في فكر ابن حزم ـ وهو أنه علم له منهجه الموضوعي ـ إلى اطمئنانه الشديد إلى نتائج الدراسات التاريخية تماماً؛ مثل اطمئنان العلماء التجريبيين إلى نتائج أبحاثهم، أو قريباً من ذلك على الأقل .
وفي هذا السياق؛ وكما يوضح د. عبد الحليم عويس أن ابن حزم يقسم علم التاريخ إلى مراتب من ناحية منهج تناوله وموضوعاته:
1ـ فهو إما تاريخ خاص بالممالك "تاريخ الإمبراطوريات" .
2ـ وإما تاريخ خاص بالسنين "التاريخ الحولي" .
3ـ وإما تاريخ للبلاد "التاريخ المحلي" .
4 ـ وإما تاريخ طبقات الناس من فقهاء وعلماء وغيرهم.
5 ـ وإما تاريخ منثور، وهو التاريخ الذي يضم أشتاتاً .
6ـ وعلم النسب.
7ـ وتاريخ الأديان والأفكار والمذاهب .
8 ـ وتاريخ المعارف والعلوم .
9 ـ والتاريخ الاجتماعي.
10ـ والتاريخ الاقتصادي (وهذه الأبواب الأربعة الأخيرة جزء من التاريخ الحضاري).
أما من ناحية الفترات التاريخية الموثقة، والصالحة لأن تكون تاريخاً قابلاً للدرس التاريخي التحليلي سليماً، وفي المقابل المجالات الأخرى الحافلة بالأساطير، فينقسم التاريخ ـ في رأي ابن حزم ـ إلى :
1ـ تاريخ الملة الإسلامية : وهو أصح التواريخ، ويضم مبدأ الملة الإسلامية وفتوحها، وأخبار خلفائها، وملوكها وعلمائها ، وسائر ما انتظم ذلك.
2ـ تاريخ بني إسرائيل : وأكثره صحيح وفي بعضه دخل، وإنما يصح من أخبارهم منذ صاروا بالشام إلى أن خرجوا عنها الخرجة الأخيرة، لا من قبل ذلك .
3ـ أخبار الروم : وتصح من عهد الإسكندر لا من قبل ذلك .
4ـ أخبار الترك والخزر وسائر أمم الشمال وأمم السودان ـ حتى عصر ابن حزم ـ : فهي أمم لا علوم لها ولا تواليف ولا تواريخ يطمأن إليها.
5ـ أخبار الهند والصين : وهما وإن كانتا أمتي علم وضبط وتواليف؛ إلا أن تاريخها لم يصل إلى المسلمين إلى عصر ابن حزم، وهما بالتالي مجالان من الصعب دراستهما تاريخياً؛ حيث إن مادة تاريخهما غير موجودة.
6ـ أخبار أمم القبط واليمانيين والسريانيين والأشمانيين وعموم وموآب وبقية سائر الأمم غير من مرَّ ذكره : وتاريخهم قد باد جملة، ولم يبق منه إلا تكاذيب وخرافات.
7ـ أخبار الفرس : ولا يصح شيء منها إلا ما كان من عهد داراً بن داراً فقط، وأصح أخبارهم الصالحة للدراسة ما كان في عهد أزد شيرين بابك فقط.
ونحن نلمح أن أكثر التاريخ عند ابن حزم يتجه إلى الدراسة الحضارية لا السياسية.
فائدة التاريخ عند ابن حزم :
يذهب ابن حزم ـ شأنه شأن سائر المؤرخين المسلمين المتقدمين ـ إلى أن للتاريخ فائدة أو "غاية"، يمكن أن نستخلص جوانبها من وراء الدراسة المتأنية للأحداث والوقائع.
ويوضح د. "عويس" أن من بين ما رآه ابن حزم من فوائد الوعي بالتاريخ ، غير الفائدتين الدينية والتعليمية : "الإطلاع على فناء المماليك، وخراب البلاد المعمورة، ودثور المدائن المشهورة التي طالما حصنت وأحكمت، وذهاب من كان فيها وانقطاعهم، وتقلب الدنيا بأهلها، وذهاب الملوك الذين قتلوا النفوس، وظلموا الناس، واستكثروا من الأموال والجيوش والعدد ليستديموها لهم ولأعقابهم، فما دامت لهم؛ بل ذهبوا وانقطعت آثارهم، ورحل بنوهم وضاعوا، وبقى ما تحملوا من الآثام والذم والذكر والقبيح لازماً لأرواحهم في الميعاد، ولذكرهم في الدنيا، فيحدث لها فيها بذلك، زهد وقلة رغبة ... وليشرف على اغترار الملوك بها ... وليقف على حد المتقين الأخيار للفضائل فيرغب فيها، ويسمع ذمهم للرذائل فيكرهها.