ربما تضحك من إنسان حينما تسمع أنه يفرط في الكرم على جيرانه، وتغزر مشاعره وذوقه على زملائه، أو زميلاته، لكنه لا يتذكر أباه وأمه، بل ربما تعجز عن تفسير شخصيته حينما تعلم أنه ربما يضرب زوجته، في الوقت الذي يكون فيه رقيقًا مع كافة البشر، لينطبق عليه المثل القائل: "زمار الحي لا يطرب"، فربما لا ينشغل بأهله وذويه، ولا يعرف عنهم شيئًا، ولا يحسب من أين تأكل أمه ويعيش أبوه، رغم قلة الظروف التي يمر بها كلاهما بعد أن فرغت أموالهما على أبنائهما ولم يجدان من يرد لهما الجميل.
جفاء الابن على الأب والأم، شيء محزن، ويفتت قلوب الوالدين، خاصة حينما يعلمون بكرم أبنائهم في الخارج، في الوقت الذي يحرمون فيه من خيرهم، على الرغم من أن كل ما يحتاجه الأبوان قد لا يتجاوز الجنيهات القليلة، من أجل شراء علبة دواء أو القليل من الطعام.
فمع ارتفاع المعيشة وضيق الأحوال الاقتصادية، يتجاهل أغلبنا حاجة آبائهم لأبنائهم، فلا يعقل أن نترك أبوينا ونحن لا نعرف هل أكلا وشربا أم ناما بدون عشاء.
نحن نعيش في عالم واحد، ونعرف أن معاش الأبوين ربما لا يكفي في ظل ظروف ارتفاع أسعار فواتير الكهرباء والمياه والغاز، سداد هذه الفواتير، فمالك بالك إذا كان هناك طعام وشراب ودواء يحتاج إليه هذان الأبوان ولا يجدان من يعينهما عليه، فيكون الثمن من أرزاقهما وكسوتهما وطعامهما.
في الوقت الذي لا يهتم فيه الابن إلا بالنفقة على أبنائه، ويتجاهل والديه بدعوى أن أبنائه أولى، متناسيًا أن رجلاً من الصحابة دخل الجنة لأنه كان يخدم أمه، وكان يخشى أن يأكل معها في إناء واحد خوفًا من أن تسبق يده يدها.
وربما يكون لك أخ فقير فهو أولى بعطائك من الغريب، هذا أخوك، الأقربون نسبًا، لك ابن أخ مريض بحاجة إلى عمل جراحي، ابن الأخ أولى من غيره، وهكذا ابحث في دائرتك القريبة عمن يحتاجون إلى المساعدة والعون قبل غيرهم.
اقرأ أيضا:
وسائل للمحافظة على الصلاة.. تعرف عليهامن هم الأقربون؟
الأقربون نسبا مثل الأب والأم والأخ ثم الأقرب فالأقرب من الأعمام والأخوال وأبنائهم، ثم الجار، فالجار له حقوق كثيرة جداً، لأنه أقرب من يرى خيرك، وانت صاعد لأبنائك محملا بالطعام والشراب، وقد يكون هو أبنائه لا يجدون ما يتقوتون به، فأنت إذا أحضرت طعاماً غالياً جداً وله رائحة، وأولاده رأوها، أعطهم قسماً منها.
فهناك روائح فواحة للطعام مثل اللحم المشوي مثلاً، مادام هناك رائحة فواحة لا بد من أن تقدم للجار شيء، صحن صغير، هذا نوع من الإحسان، فالأقربون نسباً، والأقربون سكناً، والأقربون إلى الإيمان.
فقد كان رسول الله "صلى الله عليه وسلم" مساعدا ومحبا ومرحا مع أهل بيته مع أمهات المسلمين؛ فلنأخذ منه عبرة في معاملاتنا داخل بيوتنا، ولنتشبه بسيد الخلق فى جميع أمورنا مع أهل بيتنا.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن،(أي رشيقة) فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي: تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك" رواه أحمد.
وكان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل معه "صلى الله عليه وسلم" من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي)، وتقول له: دع لي. رواه مسلم.
وكان "صلى الله عليه وسلم" يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس، إذا قام حملها، وإذا سجد وضعها، وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران، فنزل النبي "صلى الله عليه وسلم" من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه، ثم قال صدق الله ورسوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
ويقول عمرو بن العاص رضي الله عنه: ((أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة))، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته يُسمِعهن أجمل الكلمات، ويعاشرهن بالمعروف، رفيقًا بهم في حله وترحاله وفي كل شؤون حياتهم، يكرمهن ويمازحهن، ويرفق بهن، ويُعلِّمهن ويدعو لهن؛ فعن عائشة أنها قالت: ((لما رأيت من النبي صلى الله عليه وسلم طيب نفس، قلت: يا رسول الله، ادعُ الله لي، فقال: اللهم اغفر لعائشة ما تقدم من ذنبها وما تأخر، ما أسرت وما أعلنت، فضحكت عائشة حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسرك دعائي؟ فقالت: وما لي لا يسرني دعاؤك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: والله إنها لدعائي لأمتي في كل صلاة))، فلنهتدِ بهديه صلى الله عليه وسلم مع زوجاتنا وفي بيوتنا؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].