(سرك في بير).. تتصور جميعًا أن السر إنما هو لا يقال للناس على الإطلاق، ولكن لو تدبرنا أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وحياة الصحابة الكرام، لوجدنا فيها أمورًا كانت أسرارًا في بدايتها، لكن مع الوقت تفشت بين الناس، فلاشك أن لكل صنعة سر.
والدعاء أيضًا له سر، لكن السر ليس معناه ألا يعلمه أحد ولكن السر يختص به أهله، وأهله هنا تعني القادرين على حفظه، وإن كانوا ألفًا، لذلك فقد عرف المسلمين الأوائل أسرارًا كثيرة كتبوها في كتبهم وأشاعوها في الأرض كلها وعلموها من أراد أن يتعلم منهم، حتى أنه يروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلع أحد الصحابة الكرام على أسماء المنافقين، وهو سر احتفظ به الرجل حتى وفاته.
إفشاء السر
لكن كتمان السر من ضرورات الإسلام، ومن ثم فإن الخروج عن ذلك، يعد خيانة أمانة لاشك، قال تعالى يوضح ذلك: « يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوٓاْ أَمَٰنَٰتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ».
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يوجا على الإنسان المسلم حفظ سر أخيه المسلم وعدم إفشائه له، كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فيما رواه جابر بن عبد الله عنه، قال: «إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة».
السر أمانة، وإفشاؤه خيانة ومدعاة إلى إفساد ذات البين، وقطع الرحم والصلة، فكم من بيوت هدمت، وكم من جرائم ارتكبت، وكم من مفاسد وقعت في المجتمع بسبب إفشاء الأسرار وعدم المحافظة عليها، ومن ثم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمانة والتي منها حفظ السر، وحذر من الخيانة والتي منها إفشاء السر.
اقرأ أيضا:
معك على الحلوة والمرة.. فلا تنسوا الفضل بينكمحفظ السر
حفظ السر إنما هو من الإسلام لاشك في ذلك، وقد عاتب الله تعالى بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم على إفشاءها سراً للنبي عليه الصلاة والسلام، وكان ذلك سبباً لنزول سورة كاملة من سور القرآن الكريم وهي سورة التحريم التي قال الله تعالى فيها: «وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ» (سورة التحريم 1-3).
وعلى الصاحب إذا استأمنه صاحبه على سر أن يحافظ عليه ولا يفشيه مهما كانت الأسباب والظروف، وضرب المصريون أروع الأمثلة في حفظ السر خلال الحروب السابقة، وآخرها لاشك حرب أكتوبر المجيدة 1973، حيث لم ينبس المشاركون فيها ببنت شفة عن أي شيء نهائيًا، وكأن صمودهم كان سببًا في تحقيق النصر العظيم.