اختبر نفسك واعرف معدنك الحقيقي.. هل أنت شهم أم نذل؟
بقلم |
عمر نبيل |
الثلاثاء 15 اكتوبر 2024 - 02:16 م
عرف عن العرب في الجاهلية، الشهامة والمروءة، بالرغم مما افتقدوه من حسن الخلق، وقيامهم بشرب الخمر، والشرك بالله وعبادة الأوثان، ومع ذلك كان العرب قديما لا يتوارون عن إغاثة الملهوف، وإكرام الضيف، وعدم التعرض للنساء في الطرقات والشوارع، فضلا عن الشجاعة ونجدة الضعيف، وهو الأمر الذي امتدحه النبي صلى الله عليه وسلم في سلوكيات بعض العرب، مثل مدحه لحلف الفضول، وثناؤه على حاتم الطائي كنموذج للعربي الشهم والكريم.
وتعد الشهامة من أفضل الأخلاق التي يجب على المسلم التحلي بها، فهي التي تكشف مدى رجولته، ومروءته، وشجاعته، وكرم أخلاقه، لذلك يقول النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إنّما بُعثت لأُتَمِّم صالحَ الأخلاق)، فرسالة محمد عليه الصلاة والسلام، في حقيقتها رسالة أخلاقية، تنطلق من التوحيد وتعمل على الإصلاح في الأرض وأخلاق البشر، لذلك يتزين الإسلام بهذه الأخلاق الرفيعة، من الشهامة ونجدة الملهوف وإغاثته، وهي صفات لا يتعلّمها المسلم في مدرسة أو جامعة؛ بل هي تراكمات إنسانية ناتجة عن الفطرة النقية السوية.
الشهامة عند العرب والمسلمين:
على الرغم من سلوكيات وقسوة الجاهلية، التي عاشها العرب في فتراتهم السابقة للإسلام، إلا أنهم لم يتخلو عن بعض القيم والسمات التي تميّزوا بها، بل وتفاخر بها شعراؤهم يومًا من الأيام.
ومما مدح النبي صلى الله عليه وسلم، في شهامتهم وأخلاقهم كان حِلْف الفضول ونصرة المظلوم الذي اغتُصِب منه ماله –على يد العاص بن وائل-؛ حيث اجتمع كبار المشركين في دار عبدالله بن جُدعان، وتعاهدوا وتعاقدوا على نُصْرة المظلوم، وقد حضر النبي –صلى الله عليه وسلّم- معهم هذا الحِلْف، وامتدحه بعد الإسلام، وقال عنه: (لو دُعِيِتُ إلى مثله في الإسلام لَأَجَبْت).
كما ظهرت الشهامة في الجاهلية عند رجال نصروا النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في بداية الدعوة الأإسلامية، حينما تكالب عليه كفار قريش، فظهر عمه أبو طالب، كما دافع عنه في مواجهة حصار شِعْب أبي طالِب، هشام بن عمرو، وزهير بن أمية، والمطعم بن عدي، وأبو البختري بن هشام، وزمعة بن الأسو؛ حيث قاموا بعيب قومهم وقت الحصار الظالم في شعب أبي طالب، وتوجهوا لنقض الصحيفة، وكانت شهامتهم وإغاثتهم للمستضعفين –رغم الخلاف- دليل نجدة وشهامة فريدة، ضد طغيان الثّلَة الباغية الظالمة، مع شدتها وقوّتها.
ومن أخلاق الشهامة رغم الشرك فقد ظهرت في عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة، يوم عاد الرسول من الطائف ورأيا ما أصابه من القوم في الطائف، وأرسلوا إليه عداسًا بطعام؛ لعله يجد في ذلك بُرْءًا وعافية.
وانظر لشهامة المطعم بن عديّ حين أجار النبي يوم عودته من الطائف، وكان قد خشي على نفسه أن تعيّره قريش، ولم ينس له النبي صلى الله عليه وسلم شهامته ونجدته إياه؛ حيث حاول ردّ الجميل له يوم بدر –رغم وفاته-، وهو يقول: (لو كان المطعم بن عديّ حيًّا ثم استنقذ مني هؤلاء الأسرى لأطلقتهم له).
ومن بين هؤلاء أيضا عثمان بن أبي طلحة، حين ساعد السيدة أم سلمة يوم أن أرادت الهجرة إلى زوجها أبي سلمة في بني عوف بقباء، وهو عثمان بن أبي طلحة المشرك، الذي أخذته النخوة والمروءة والشهامة يوم أن وجد أم سلمة –رضي الله عنها- وقد فُرِّق بينها وبين زوجها وولدها سلمةَ، فلما رآها بعد عام من هجرة زوجها أبي سلمة رضي الله عنه إلى المدينة فأخذها وحملها على دابتها وسار بها أكثر من 450 كم2 من مكة إلى بني عوف بقباء في المدينة، حتى قالت في شهادتها عنه: ما رأيت في بيوت العرب أكرم من عثمان بن أبي طلحة.
شهامة الأنبياء
وضرب موسى عليه السلام القدوة في الشهامة وإغاثة الملهوف، حينما وفد إلى مدين وهو المُطَارَد المُهَجَّر من مصر خوفًا وفرقًا من بطش الملأ فيها- فسقى لفتاتين وجدهما يذودان عن المرعى والشرب، وتولّى إلى الظلّ، لا ينتظر منهما ثوابًا ولا جزاءً ولا شُكورًا، حتى عوّضه ربُّه بسكن وعمل وزوجة.
شهامة النبي
بل أن النبي صلى الله عليه وسلم هو القامة العالية في الشهامة، وقد امتدحته زوجته خديجة بعدما نزول عليه الوحي جبريل، في غار ثور، فقالت له: (لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتُكسب المعدوم، وتُعطي السائل، وتمنح المحروم، وتعين على نوائب الدَّهْر).
ثمار الشهامـة:
من ثمار الشهامة تيسير أمور الضعفاء ونشر قيم التسامح والحب، والانتصار للإنسانية، وقضاء حوائج الناس، وفي الحديث: (من سرَّه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فلييسر على معسر، أو ليضع عنه).
كما أنها تشيع المحبَّة من خلالها في النُّفوس، وتزيل العداوةَ بين الناس وتحفظ الأعراض وتنشر الأمْن في المجتمع، كما أنّها علامة فارقة على علوّ الهمّة، وشرَفِ النّفس.
لماذا غابت الشهامة عن مجتمعاتنا؟
كنا في الماضي لا نترك محتاجا حتى نقف بجواره، وكنا نحترم مشاعرنا في الحزن والفرح، فكنا نفرح لفرح الجيران ونحزن لأحزانهم، فكان الشاب الصغير وهو في أتوبيس يقف لرجل كبير أو امرأة عجوز فيُجلسها مكانه؟ وكان الجار يخاف على مشاعر جاره في الحُزن فيغطي التليفزيون ولا يفتحه إكرامًا لجاره ومشاركة له في حزنه؟ وكان الأخ يواسي أخاه في مآسيه ويقف معه مفرِّجًا عنه، مُؤَازِرًا له في شدائده؟؟ وكان الشاب يستحي أن يتعرض لجارته أو لأي فتاة من الحارة أو الشارع الذي يسكن به، بل كان يدافع عنها طاعة لله وليس نفاقا لها من أجل إثارة إعجابها.
حتى تحوّلت حياة الكثير من الناس إلى جسد بلا روح؛ حيث ترى الواحد من المهمومين أو المكروبين أو أصحاب الحاجات يستنجد بغيره؛ ينصره، أو يقف معه، أو يخفِّف عنه ألمَه، فيندر أن يجدَ أحدًا يقف معه يسانده ويؤازره.
أسباب غياب الشهامة
وترجع قلة الشهامة في المجتمع الآن لقسوة القلب والأنانية المفرطة وحب الذات، والذلّ والهوان والرّضا بالدونية، فالراضي بالدون دنيء، فكيف يكون شهمًا، فضلا عن الحسد والحقد والبغضاء فهي تمنع الشهامة والمروءة ونجْدة الملهوف.
فالمواساة للآخرين والشعور بآلامهم والسؤال عنهم في أحوال الشدة التي يمرّون بها، مهما كان اختلافك الفكري معهم؛ فإن المواساة شعور إنساني لا دين له، غير أن المسلم أوْلَى به من غيره، ولننظر إلى ما قاله الرسول يوم وفاة جعفر بن أبي طالب (اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنهم قد شُغِلُوا بميتهم).
فيا لرحمة الإسلام وشفقته على المحرومين من أحبابهم، وفاقدي الأقارب، ومنها الشَّهامة مع المظلوم: حين تنصر مظلومًا في موقف يحب فيه النصرة، ويريد فيه أن يقف أحدٌ بجواره، فلا تخذله، يقول النبي –صلى الله عليه وسلّم-: (لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ).
حتى الحيوان له حقه في الإسلام، وواجب على المسلم أن يكون شهمًا مع أي حيوان يريد مساعدته؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَنَا أَجْرٌ فِي الْبَهَائِمُ؟ قَالَ: «نَعَمْ فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبٍ أَجْرٌ».