عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما قالَ قِيلَ يا رَسُولَ اللهِ أَيُّ جُلَسائِنا خَيْرٌ؟ قالَ (مَنْ ذَكَّرَكُمْ بِاللهِ رُؤْيَتُهُ، وزادَكُمْ في عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ، وذَكَّرَكُمْ بِالآخِرَةِ عَمَلُهُ).
يتحين على الإنسان أن يختار أصدقاءه، لئلا يقع في الحرام، خاصة وأن مصاحبة الفاجر هي أكثر ما يدل على الحرام ويبعد عن الحلال، فمن الأخيار ينبغي أن تختار صاحبك، ذَلِكَ لأَنَّه أَكْثَرَ ما يُعِينُكَ عَلى الطّاعاتِ، في حين أَكْثَرُ ما يُدْخِلُكَ في الذَّنْبِ مُخالَطَةُ الْمُذْنِبِينَ كَما قالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ (الْمَرْءُ عَلى دِينِ خَلِيلِه، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخالِلُ) رواه أحمدُ في مسنده.
فالصداقة المقبولة و المعترف بها هي التي تقوم على أسس صحيحة و علاقات متكافئة، تدل على اخير وتبعد عن الشر، و هذه الصداقة لها حدودها و مواصفاتها، كما و أن الصديق لا بُدَّ و أن يتمتع بصفات و خُلقيات خاصة تؤهله للصداقة حتى يقع عليه الاختيار.
الخطوط الحمراء في اختيار الصديق
تحدثت السنة النبوية عن أسس اختيار الصديق، والصفات السلبية التي يجيب أن نبتعد عنها، والتي إن وُجدت في شخص ما وجب الاجتناب من مصادقته لفداحة الأضرار الناتجة عن مصادقة من فيه مثل هذه الصفات.
فقال النبي صلى الله عليه و آله: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يُؤَاخِيَنَّ كَافِراً وَ لَا يُخَالِطَنَّ فَاجِراً" .
وقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ ﴾.
وَ قَالَ تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ .
والنفس من شانها أن تقلد من تصاحبه في كل شيئ، لذلك قال الإِمامُ مالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ (لا تَصْحَبْ فاجِرًا لِئَلاَّ تَتَعَلَّمَ مِنْ فُجُورِهِ) وقالَ القَاضِي ابْنُ رُشْدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (لا يَنْبَغِي أَنْ يصْحَبَ إِلا مَنْ يُقْتَدَى بِهِ في دِينِهِ وخَيْرِهِ لأَنَّ قَرِينَ السُّوءِ يُرْدِي) فَإِيّاكَ أَنْ تُصاحِبَ مَنْ لا تَثِقُ بِهِ وبِأَمانَتِهِ وتَعْرِفُ صَلاحَهُ وتَقْواهُ فَإِنَّ الْمَرْءَ يَكُونُ في الآخِرَةِ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
فالمتأمل في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنها حوت جميع مكارم الأخلاق،حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة وأسوة حسنة.
وقد ضرب لنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه خير مثل على الصداقة وحسن الصحبة مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقد كان يجمع بينهما الارتباط النفسي والمصيري الذي اقتضته هذه الصحبة الفريدة، فنجد أبا بكر يعيش مع صديقه وحبيبه الرسول صلى الله عليه وسلم الحلو والمر، والسهل والصعب، والغنى والفقر، والأمن والخوف، قال تعالى عن الصديق رضي الله عنه:(إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إذ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إذ هُمَا فِي الْغَارِ إذ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) التوبة:40.
اقرأ أيضا:
معك على الحلوة والمرة.. فلا تنسوا الفضل بينكممصاحبة الأخيار
فأعظمَ ما يعين المسلم على تحقيق التقوى والاستقامة على نهج الحق والهدى، مصاحبةُ الأخيار، ومصافاةُ الأبرار، والبعدُ عن قرناء السوء ومخالطة الأشرار، لأن الإنسان بطبعه وحكم بشريته يتأثر بصفيه وجليسه، ويكتسب من أخلاق قرينه وخليله.
والصاحب هو المرأة التي يرى الرجل فيها عيوبه، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه) رواه البخاري.
وعن مالك بن دينار أنَّه قال لختنه (أي صهره): يا مغيرة، انظر كلَّ أخٍ لك، وصاحبٍ لك، وصديقٍ لك، لا تستفيد في دينك منه خيرا، فانبذ عنك صحبته، فإنَّما ذلك لك عدوّ.
وأوصى احد الصالحين ولده لما حضرته الوفاة، فقال: يا بني! إذا أردت صحبة إنسان فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، واصحب من إذا مددت يدك للخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن رأى منك سيئة سدَّها.
وقال بعض السلف: عليكم بإخوان الصدق، فإنهم زينة في الرخاء، وعصمة في البلاء. فالأخيار الأبرار الأتقياء إذا وُجدوا في مجتمع جذبوا أشباههم أو انجذبوا إليهم وسرى تيار المحبة بينهم. والصاحب ساحب.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)..لان الطبع يجبل من الطبع، والإنسان ابن بيئته، وهي حقائق لا مراء فيها، إذ من طبيعة الإنسان أن يتأثر بالوسط المحيط به والجماعة التي يتعايش معها.