يقول المولى عز وجل في كتابه الكريم: «لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»، وعن هذه الآية يقول العلماء: إن المقصود هو أن الله عز وجل لا تدركه أبصار العباد لا بالجزء ولا بالكل ولا بالجهات ولا بالتراكيب، فهذه التقسيمات تتعلق فقط بأذهان العباد والله منزه عن كل ذلك سبحانه.
وحتى رسولنا الأكرم صلى الله عليه وسلم، لم ير ربه وإنما منعه عن ذلك نور الله عز وجل الذي يحيط بجلاله سبحانه وتعالى، فقد روى مسلم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «نور أنى أراه»، أي: كيف أراه والنور حجاب بيني وبينه يمنعني من رؤيته.
رؤية الله تعالى
إذن الرؤية البشرية أقل كثيرًا مما يمكنها من رؤية جلال الله عز وجل، ولذلك فقد روى الإمام مسلم عن مسروق عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «كنت متكئًا عند أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هن؟ قالت: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم رأى ربه، فقد أعظم على الله الفرية، قال: وكنت متكئًا فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني، ولا تعجليني، ألم يقل الله عز وجل: « وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ » (التكوير: 23)، « وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى » (النجم: 13)؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «إنما هو جبريل، لم أره على صورته التي خُلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادًا عظم خلقه ما بين السماءِ إلى الأرض»، فقالت: أو لم تسمع أن الله يقول: « لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (الأنعام: 103)؟ أو لم تسمع أن الله يقول: « وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ » )الشورى: 51)؟.
اقرأ أيضا:
الوقوع في الزنا مصيبة يمكن التكفير عنها بهذه الطريقةصفات إلهية متفردة
الله عز وجل يتفرد بصفات إلهية له وحده، لا يمكن لبشر أن يتسم بها مهما كان، فقد روى مسلم عن أبي موسى الأشعري، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات، فقال: «إن الله عز وجل لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه (نوره) ما انتهى إليه بصره من خلقه».
لكن قد يكون من نصيب أهل الجنة أن يروه، فقد روى مسلم عن صهيب، عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهلُ الجنة الجنةَ، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيِّض وجوهَنا؟ ألم تُدخلنا الجنة، وتُنجِّنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئًا أحبَّ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل، ثم تلا هذه الآية: « لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ » (يونس: 26).