يثير البعض قضية الاجتهاد، ويطالب بفتح باب الاجتهاد في أمور تتعلق بالشريعة، وهو أمر وإن كان في ظاهره لايصطدم بالدين وثوابته، لكن هناك من يتخذ الأمر مطية لمآرب شخصية، وهناك من يتصدى للحديث في تلك المسألة دون أن يكون مؤهلاً علميًا بشكل كاف.
إذ أنك من المستحيل أن تكون مريضًا مثلاً، وتذهب لميكانيكي سيارات يصلح لك قلبك أو عينك، أو الجزء الذي يتعبك في جسمك، وإنما لكل مقام مقال، وهكذا الدين والشرع، على كل مسلم أن يعيد الأمر، خصوصًا في المسائل المتباينة والشائكة إلى أهل العلم، فهم أهله وخاصته، والقادرون على التفسير برؤى يرضاها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.
دور الفقهاء
مما لاشك فيه أن النصوص وتأويلها أو تفسيرها، إنما هو منوط بالفقهاء وفقط، فقد تكون هناك مسألة ما تستحق التأويل، لكن قد تكون هناك أخرى لا تستحق، ومن ذلك، ما فعله النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وقت الحرب، وأيضًا ما فعله خليفته العادل الفاروق عمر بن الخطاب في سنوات المجاعة، فلم يقطع النبي عليه الصلاة والسلام يد السارق في الحرب، ولم يقطع عمر بن الخطاب يد السارق في عام المجاعة.
وجاء ذلك على الرغم من أن قطع يد السارق ورد في القرآن مطلقًا بلا استثناء، لكنهما أدركا أن العقل والحكمة والرحمة كانت الأسباب التي أدت بهما أن يمتنعا عن القطع في وقت الحروب، لأن القطع كان سيؤدي إلى زيادة في المنكر بفرار المسلم إلى المعسكر الآخر، وكذلك في عام المجاعة كان القطع سيكون زيادة في الظلم.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟تطبيق الحدود
وفي تطبيق الحدود، لابد من العودة إلى أهل الخاصة من العلماء، وعدم السير وراء ترديد الشائعات هنا أو هناك.
ولذلك يقول الإمام القاضي الورع العز ابن عبد السلام في كلمته الشهيرة : «إذا كان تطبيق الحدود سيؤدي إلى زيادة في المنكر فالأولى بنا أن نكتفي بالعقوبات التعزيرية الموجودة»، ومن ثم فهناك بالفعل باب كبير في الفقه اسمه (شيوع البلوی)، أي أنه حينما تشيع الفتن وتفسد الذمم، فإن أهل العلم قد يطلبون أمورًا بالقياس تواق ما يحدث، لكن طالما هذا لم يحدث فإنهم بالتأكيد سيتمسكون بالنصوص كما هي، لأنها الأساس في التطبيق.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله ولأن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة»، وبالتالي يجب أولا تحقيق الصالح العام، وهذا أمر لا يحدده سوى أهل الخاصة من العلماء.