إلى كل شخص، يا من تداوم على الحلف بالله على الكبيرة والصغيرة، لحظة من فضلك، قف واسأل نفسك (هل أنت صادق بالفعل؟)، وقد نهى الله تعالى عن كثرة الحلف، فقال عز وجل: « وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ » (القلم: ١٠)، والحلاف صيغة مبالغة، وهو المكثر للحلف من دون فائدة أو حاجة، قال تعالى: « وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ » (البقرة: ٢٢٤).
ومن ثم فالحلف من الأمور التي تحتاج منا وقفة كبيرة، إذ يقول الإمام الرازي، رحمه الله: «نهى عن الجراءة على الله بكثرة الحلف به؛ لأن من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني، فقد جعله عرضة له»، إذن الحلف من الأمور التي لها جلالها، ومن ثم على الجميع أن يحترس جيدًا قبل الوقوع فيها.
هل تخاف الله؟
إن كنت تخاف الله عز وجل، فاحذر جيدًا من أي قسم أو حلف دون داعٍ، لأن الأمر جلل، إذ تقول إحدى الفتيات وكانت تتعود على الحلف بالله: (خوفي من الله جعلني أصدق كل من كان يخلف بالله.. كنت اظنهم يخافونه أيضًا)، تخيل كل الصدمة التي لاقتها هذه الفتاة في الناس نتيجة كذبهم، رغم أنهم يقسمون ويحلفون بالله عز وجل، لذلك فقد أمر الله عز وجل المؤمنين بحفظ أيمانهم، وذلك بعدم الإكثار منها، أو بالبر بها وعدمِ الحنث.
فقال تعالى: « وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ » (المائدة: ٨٩)، وفي ذلك يقول المفسرون لهذه الآية : «أي: صونوا ألسنتكم عن كثرة الحلف، فيكون الله عرضة لأيمانكم، أو احفظوها بأن تبَرُّوا فيها ولا تحنثوا»، ومن ثم فإن الحكمة في الأمر بتقليل الأَيمان، أن من حلفَ في كل قليل وكثير بالله، انطلق لسانُه بذلك، ولا يبقى لليمين في قلبه وقع.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟واجب القسم
أما إذا لم يجد المسلم سوى أن يحلف بالله، فعليه أن يكون صادقًا بالكلية، لأن الأمر جلل، وذنب عظيم لمن يحلف بالله كذبًا، فإن احتاج المؤمن للحلف لتأكيد أمر أو نفيه، فينبغي عليه أن يحلف بالله تعالى أو بصفة من صفاته، وهذا ما أرشدنا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «مَن كان حالفًا، فليحلف بالله أو ليصمت»، ولا يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولا بأبيه وأمه، ولا بولده، فقد سمع النبي صلى الله عليه وسلم من يحلف بأبيه في ركب، فناداهم: «ألا إن اللهَ ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فَمَن كان حالفًا فليحلف بالله وإلا فليَصمت».
ولذلك نجد أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم حثَّ على الحلف بالله تعالى مقيدًا ذلك بالبر والصدق، وأخبر عن محبة الله ورضاه على من يحلف به، ما دام غرض الحالِف مشروعًا، كفعل طاعةٍ، أو حث ع خير، أو زجر عن إثم، فقال صلى الله عليه وسلم: «احلفوا بالله وبروا واصدقوا؛ فإن الله تعالى يحب أن يحلف به».