لقد حفظ الإسلامُ المالَ، وحرَّم كل المعاملات المالية التي تخالف تعاليمه ومقاصده، وتهدر المصالح والحقوق.بل أن ديننا الحنيف اخذ عاتقه الحفاظ علي الضروريات الخمس ومن بينها «حفظ المال»، كما نهت الشريعة عن كل ما من شأنه أن يُهلِكه، أو يُتلفه،
وفي هذا السياق قال الإمام الشاطبي: "اتفقت الأمة -بل سائر الملل- على أنَّ الشَّريعة وُضعت للمحافظة على الضروريات الخمس، وهي: الدِّين، والنَّفس، والنَّسل، والمال، والعقل".
حيث أمرت الشريعةُ الإسلامية بحسب منشور لمركز الأزهر العالمي للفتوي الإليكترونية المسلمَ بالكسب الحلال، وحرَّمت أخذَ المال من غير وجه حق، ودون رضا صاحبه؛ قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29]، وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ».
وأباح الشرع كافة المعاملات المالية التي قد يحتاج إليها المسلم، وحرم ما يخالف تعاليم الإسلام ومقاصده، ويهدر المصالح والحقوق، ومن هذه المعاملات:كل معاملة تشتمل على ربا؛ -زيادة مشروطة في أشياء مخصوصة أو في المال مقابل الأجل وحده-؛ لقوله تعالى: "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا". "البقرة: 275"
ومن المعاملات التي حرمها الإسلام كل معاملة بها غرر، وهي البيوع التي تشتمل على جهالة في وصفها، أو في ثمنها، وقدره، وصفته؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «نَهَى رَسولُ اللهِ ﷺ عن بَيْعِ الحَصَاةِ، وَعَنْ بَيْعِ الغَرَرِ». "أخرجه مسلم"
وكذلك حرمت الشريعة بيع الأشياء التي حرمها الشرع أو حكم بنجاستها ما لم يكن ثمة غرض يبيح استخدامها في وجهٍ يُحقِّق منفعة معتبرة شرعًا، مع تقدير كل حالة بحسبها من قِبل أهل العلم المتخصصين؛
وقد روي جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما، قال: أنَّهُ سَمِعَ رَسولَ اللهِ ﷺ يقولُ عَامَ الفَتْحِ وَهو بمَكَّةَ: «إنَّ اللَّهَ وَرَسوله حَرَّمَ بَيْعَ الخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأصْنَامِ». "أخرجه مسلم"
ولا يغيب عن قائمة المعاملات التي حرمتها الشريعة كل بيع اشتمل على غشٍّ عن طريق الكذب أو التدليس أو كتمان عيب السلعة، أو بحس ثمنها أو تطفيف وزنها؛ قال الله سبحانه: "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ" "المطففين: 1"
وقال الله سبحانه وتعالي في كتابه العزيز : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ" "المائدة: 1"، وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «مَن غَشَّ، فليس منِّي». "أخرجه مسلم"، وقال ﷺ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ إِلَّا بَيَّنَهُ لَهُ". "أخرجه ابن ماجه"
ومن ضمن المعاملات المحرمة كل معاملة اشتملت على مقامرة واقعيًّا أو إلكترونيًّا، والمقامرة هي المجازفة والتردد بين غنم وغرم، والقمار من الميسر المجمع على تحريمه، والذي قال فيه الله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ". "المائدة: 90، 91"
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟ومن المهم هنا التأكيد علي أنه في ظل انتشار المعاملات الإلكترونية في وقتنا الحالي؛ فإنه يجري عليها ما يجري على المعاملات الواقعية من أحكام.
منشور مركز الأزهر العالمي للفتوي الإليكترونية أشار إلي من أهم خصائص الشريعة الإسلامية مرونتها، ومواكبتها للواقع ومستجداته، من خلال آليات وقواعد علمية ومعرفية واستنباطية يحسنها علماء الدين والشريعة المتخصصين؛ قال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ". "النحل: 43"
ومن ناحية أخري اوضح المركز في منشور أخر له ان الله تعالي قال في محكم التنزيل :"وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ}. الشورى: 27"
ويقصد بالآية الكريمة هنا أن الله عز وجل لو وسَّع الرزق على جميع عباده، وكَثَّره عندهم، وأعطاهم فوق حاجتهم؛ لطغى عامَّتهم به، وتكبروا في الأرض، ولكن يُنزِّل الرزق بتقدير مُحكم، فيوسعه على من يشاء، ويضيِّقه على من يشاء؛ تبعًا لما اقتضاه علمه، واقتضته حكمته سبحانه، وهو العليم بخلقه وأحوالهم.