هل اختليت يومًا مع الله؟.. إن لم تفعل حاول أن تجرب ومن المؤكد أنك ستستمتع، وستعيد الكرة مرة وأخرى، بل وستحافظ عليها.. أوتدري لماذا؟.. لأن هنا فقط الأمان والطمأنينة والسكينة الحقيقية.. هنا فقط إجابة كل الدعوات، وراحة كل البلوات، والخلاص من كل الذنوب والمعاصي، وهنا فقط معرفة حقيقة الدنيا، وأنها ليست سوى مجرد رحلة بسيطة تنتهي سريعًا، ولا تستحق منا كل هذا الاهتمام والصراعات التي لا تنتهي.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «ما لي وللدنيا؟، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها»، والغريب أنه حين قال هذا الحديث الشريف كان نائمًا على حصير فقام وقد أثر في جنبه.. فإذا كان هذا هو حال خير الآنام وأحب خلق الله عز وجل (مالك الأكوان) إلى الله، فكيف بنا نهرول وراء الدنيا وننسى أجمل ما فيها، ولو في دقائق خلوة مع الله سبحانه وتعالى.
فوائد الخلوة مع الله
للخلوة مع الله فوائد عظيمة، لن يعرف معناها إلا من جربها يومًا، فيا باغي الخير أقبل على الله، قبل أن تندم، واختار الوقت الذي يناسبك أنت، لأن الخلوة مع الله، ﻻ ﺗﺤﺘﺎﺝ ﺇلى ﺣﺠﺰ ﻣﻮﻋﺪ ﻣﺴﺒﻖ ﺑﻞ ﻛﻞ ﺍﻷﻭﻗﺎﺕ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻳﻚ ﻭ ﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺗﻘﺮﺭ، بينما لو كنت بحاجة لملاقاة مديرك في العمل، لقدمت طلبًا لذلك، بينما لقاء الله لا يحتاج إلا لقلب مشبع باليقين فيه، والثقة في أنه القادر الملك، ثم الوقوف بين يديه وأنت شاعر بالنقص والإذلال لأنك تناسيت هذه الهبة العظيمة لسنوات طويلة من عمرك.
والخلوة عند الصالحين إنما هي لمحاسبة النفس، والعودة عن كل عيب أو ذنب، إذ يروى أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه عنف أحد رعيته، ثم دخل بيته فافتتح الصلاة، فصلى ركعتين، ثم جلس، فقال: «يا ابن الخطاب، كنت وضيعاً فرفعك الله، وكنت ضالاً فهداك الله، وكنت ذليلاً فأعزّك الله، ثم حملك على رقاب المسلمين، لجأ رجل يستعديك فضربته، ما تقول لربك غداً إذا أتيته؟ »، يقول الأحنف بن قيس: فجعل يعاتب نفسه معاتبة ظننت أنه من خير أهل الأرض.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟مقامك عند الله
الخلوة تبين مقامك عند الله عز وجل، فإن واظبت عليها اعلم يقينًا أنك من المقربين، وإن ابتعدت فاعلم أن هناك أزمة حقيقية، تحتاج منك لوقفة أمام الله، للعودة إلى كنفه مجددًا، فالخلوة ترفع أناسًا لمكانة عالية جدًا، بينما البعد عنها قد تسقط بآخرين إلى مكانة دنيئة جدًا، والمعنى هنا ليس له علاقة بالغنى والفقر، وإنما بأمان وطمأنينة القلوب من عدمها، فأما الذين راقبوا الله في السر والعلن، فإنما نالوا الجزاء الأوفى.
وقد قال الله عز وجل فيهم: «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ * سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ » (الرعد: 9، 10)، فكانت خلوتهم لهم زواد وفضل من الله عز وجل، ورفعة لدرجات كبيرة جدًا، وقرب يجعله يطلب ما يشاء وكان حقًا على الله أن يرضيه.