يجمع الكثير من أهل العلم أن الرزق اسم لما يسوقه الله إلى الإنسان والحيوان فيأكله، فيكون متناولا للحلال والحرامفيما عرفه أخرون بأنه عبارة عن مملوك يأكله المالك، فعلى هذا لا يكون الحرام رزقا. وقيل هو ما قسم للعبد من صنوف ما يحتاج إليه مطعوما ومشروبا وملبوسا. وقيل ما يعطي المالك لمملوكه قدر ما يكفيه، وهو لا يزيد ولا ينقص بالترك
وفي هذا السياق قال صاحب مجمع السلوك في فصل أصول الأعمال في بيان التوكل: «وقد قسم المشايخ الرزق إلى أربعة أقسام: أولها الرزق المضمون: وهو ما يساق إليه من طعام وشراب وكل ما يؤمن له حد الكفاف. وهذا ما يقال له الرزق المضمون. ذلك لأن الله سبحانه قد ضمنه (للعباد): ﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين﴾ (هود: 6).
فيما الرزق الموعود: وهو ما وعد الله عباده الصالحين ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾
ومن الثابت أن الرزق من الأمور الّتي يفكرّ فيها الإنسان ليل نهار وتشغل باله وتفكيره وتأخذ جُلّ اهتمامه موضوع الرّزق، وذلك من حيث إيجاد عمل أو من خلال التّفكير في كيفيّة توفير حياةٍ كريمة، بشكل يفرض علي العبد المؤمن أن يأخذ بالأسباب المشروعة التّي شرعها لنا الله تعالى، والّتي تيسرّ له جلب الرّزق، وأن يكون دائم الانتباه إلى الهدف الّذي خلق من أجله وهو عبادة الله تعالى، حيث قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).
وعلي العبد المؤمن أن يطلب الرزق بتقوى الله تعالى وبالوسائل الّتي بينّها الله تعالى لنا، وعلى الإنسان أن يحسن التّوكل على الله تعالى بعد أن يأخذ بالأسباب المشروعة الجالبة للرّزق، لأنّ الله تعالى هو العالم بالعباد كلّهم وبأحوالهم،بل أن الله سبحانه وتعالي هو الّذي كفل لهم الرّزق وقدرّه لهم كلّهم بلا استثناء ولم ينسَ منهم أحداً، إذ قال تعالى: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ*فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ)،
ومن هنا فيجب علي العبد المؤمن أن يطمئنّ ويريح قلبه ويحمد الله على ما رزقه سواء كان الرّزق كثيراً أم قليلاً، ولو كان كثيراً فلا يباهي بنفسه ويشعر بالكبر والغرور أنّه لولا سعيه وعمله وذكاؤه لما حصل هذا الرّزق؛ لأنّ الله تعالى هو رازقه وكلّ ما يملك من الوسائل والحكمة والذّكاء والعمل والسّعي هو بفضل الله تعالى ورزقه له.
وأذا كان المسلم مطالبًا بأن يحسن طلب الرزق من ربه ويؤمن كل اسباب رضا الله عنه باعتباره مفتاحا للرزق فإن هناك أسباب لضيق الرّزق في مقدمتها الغفلة عن ذكر الله تعالى: حيث إنّ الإنسان الّذي تلهيه شهوات الدّنيا وتأخذه متع الحياة وتبعده عن الهدف الحقيقيّ الّذي خلق لأجله وهو عبادة الله تعالى فهو في غفلة، فالعبد الّذي ينشغل بتحصيل قوت يومه ورزقه والبحث عن لقمة العيش عن ذكر الله تعالى وأداء العبادات والفرائض الّتي أمرنا بها الله تعالى يضيق عليه رزقه،
بل أن الله تعالي قال في كتابه العزيز : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ"
ومن أسباب ضيق الرزق كذلك التعامل بالربا : إذ إنّ الرّبا خطرٌ عظيمٌ يهددّ المجتمع ويفسد أمنه، وهو معصيةٌ عظيمةٌ كبيرةٌ تؤدي إلى قطع الرّزق عن الإنسان بسبب تعامله بأمرٍ حرّمه الله تعالى، لذلك فإنّ تعامل البعض من الأفراد بالرّبا في معاملاتهم وبيوعهم يؤدي إلى تفككّ الرّوابط بينهم وقطعها لما له من آثارٍ سلبيّة على الفرد بصفةٍ خاصّة وعلى المجتمع بصفةٍ عامّة. قال تعالى: (يَمْحَقُ اللَّـهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّـهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ).أما ثالث أسباب ضيق الرزق فتتمثل في عدم شكر الله تعالى على نعمه: فعلى الإنسان دائماً أن يكون على يقينٍ أنّ الله تعالى هو الواهب والمعطي لا أحد سواه، وأنّه هو الرّازق عباده بقوّته وإرادته لا بقوّتهم وإرادتهم وأنّ كل الأسباب الّتي يهيؤها الله تعالى لعباده هي رزقٌ منه، فالإنسان الّذي يتعالى على النّاس بكثرة رزقه ويتباهى بنفسه أمامهم أنّه بفطنته وقوّته أتاه الرّزق لا بفضل الله، ثمّ لا يشكر الله تعالى على نعمه فهو بذلك جاحدٌ للنّعم، ومن لا يشكر الله تعالى على نعمه يسلب الله تعالى الرّزق منه ولا يبارك له فيه.
ولا يغيب عنا في هذا السياق دور المعاصي والذنوب في ضيق الرزق لاسيما إنّ المعاصي والذّنوب بنوعيها سواء كانت في حقّ الله تعالى أو كانت في حقّ العباد هي من أعظم الأساب الّتي تمنع الرّزق وتحجبه عن الإنسان، وتورث في قلبه الهمّ والغمّ والكدر والضّيق،
ومن أسباب ضيق الرزق كذلك قطع الأرحام وهو ما بدا واضحا في الحديث النبوي الذي رواه أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ عليه رِزْقُهُ، أوْ يُنْسَأَ في أثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ"، فدلّ كلامه صلى الله عليه وسلم على أن الرزق يبسط لواصل الرحم، وكذلك يكون انقطاع الرزق بقطع الرحم.
اقرأ أيضا:
حتى لا تكون مثارًا للشبهات.. موقف للنبي يعلمك الابتعاد عن الريبة والاستبراء للعرضوكذلك يدرج الفقهاء وأهل العلم قلة التوكل ضمن أسباب ضيق الرزق وفق ما جاء في الحديث النبوي الشريف : "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا" وهذا ما يشير إلي أن اعتماد الناس على الأسباب الظاهرة للرزق، والاجتهاد الشديد فى طلبها، مع غياب التّوكل على خالق الرزق وخالق الأسباب، سبب فى انقطاعه، ولكن إن طلب العبد رزقه من الله، وتوكل عليه حقّ التّوكل، فسعى فى مناكب الأرض، رُزق كما يُرزق الطير، تخرج ساعية جائعة، وتعود ببطن ممتلئ كما جاء في الحديث النبوي الشريف.