أمر الله سبحانه وتعالى الناس أن يبتعدوا عن الحرام وأن يأكلوا الحلال الطيب، وأمر المؤمنين من طيبات ما رزقهم الله عز وجل، وأن يشكروا الله على نعمته، فالمطعم هو أساس البركة حينما يكون منبته هو الحلال، والإنسان يهتم بما يطعم منه أبناءه ويتجنب الحرام، فكما في حديث المسافر "رب أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول: "يا رب، يا رب" ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي في الحرام فأنى يستجاب لذلك؟!".
لماذا تطعمهم من الحرام؟
ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين اليوم لا يهتمون بما يطعمون به أبنائهم، حتى تلاشت البركة من أرزاقهم، فقد يقع المسلم في السحت وهو الحرام، لأسباب بسيطة، يستحل بها لنفسه أخذ مال الغير، دون أن يهتم لخطورة ما يأكل من الحرام ويغذي به أبناءه، فكل جسم ولحم تغذى بالحرام فإنه يكون يوم القيامة في النار عقوبة له، لأن الله سبحانه وتعالى حرم الخبائث والمكاسب المحرمة، وأمر بالأكل من الطيبات وما أباح الله سبحانه وتعالى لعباده، لأن المحرم يغذي تغذية خبيثة، وأما الطيب فإنه يغذي تغذية طيبة.
فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كعب بن عجرة أعيذك بالله من إمارة السفهاء، قال: وما ذاك يا رسول الله: قال: أمراء سيكونون من بعدي، من دخل عليهم فصدقهم بحديثهم وأعانهم على ظلمهم فليسوا مني ولست منهم ولم يردوا علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بحديثهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وأنا منهم وأولئك يردون علي الحوض، يا كعب بن عجرة الصلاة قربان، والصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، يا كعب بن عجرة لا يدخل الجنة من نبت لحمه من سحت والنار أولى به، يا كعب بن عجرة الناس غاديانٍ فغاد بائع نفسه وموبق رقبته، وغاد مبتاع نفسه ومعتق رقبته.
وفي رواية الترمذي: لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به.
ومعنى الحديث أن المرء إذا تعود أكل الحرام حتى نما منه جسمه، فإن جهنم أولى به، وبالتالي فطعام أبناؤك أيضا من الحرام، وبذلك تحرمهم من البركة، ويحل عليهم الفساد، نتيجة ما اعتمدت عليه من الحرام في إطعامهم.
اقرأ أيضا:
تهوى حب الظهور؟!.. انظر إلى حال هذا الصحابي مع النبيمن مظاهر السحت:
من أكثر ما يعتمد عليه بعض الناس في عصرنا الحديث الغش في البيع والشراء، سواء كان البغش في الميزان أو الغش في جودة السلعة، فالبيع لا يكون إلا عن تراض فمن أكره على بيع ملكه بغير حق فالبيع باطل ولا يحل للمشتري أن ينتفع بالمبيع بل الواجب عليه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وقال صلى الله عليه وسلم "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه".
فهل تحب أن تشتري سلعة فاسدة كما تبيعها للناس، وهل تحب أن تأخذ أقل من حقك في الميزان كما تغش فيه، فليس هناك أشد جرما في حق المسلمين والناس أجمعين من غشهم، وسرقة أقواتهم وحقوقهم، فالغش أكثر ما يسيئ لسمة الأمم، ولقد اهل الله عز وجل أقواما كانت تغش في الميزان، وتستحل لنفسها أقوات الغير وأموالهم.
فالعدل في المعاملات يجب أن يكون التعامل فيه بالرضى طوعًا بدون إكراه لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) [النساء: من الآية29].
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من السحت وأكل الحرام في خطبة الوداع، حيث قال "إن دمائكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت قالوا نعم".
وقـال النبي صلى الله عليه وسلم في البيعـين "إن صدقا وبَيَّنَا بورك لهمـا في بيعهمـا وإن كذبـا وكتمـا مُحِقَت بركة بيعهما". وقال "من غشنا أو من غش فليس مني".
فالغش كتمان العيب أو إظهار السلعة بمظهر طيب وهي رديئة.
وابتلي كثير من الناس بالغش مع أنه من كبائر الذنوب التي لا تكفرها الصلوات الخمس ولا الجمعة ولا رمضان فإن هذه العبادات الجليلة لا تكفر ما بينها من الكبائر والغش من كبائر الذنوب أفترضى أيها المؤمن ببراءة النبي صلى الله عليه وسلم منك من أجل عَرَض تصيبه من الدنيا أفترضى أن ينعم المؤمنون المجتنبون لكبائر الإثم بتكفير سيئاتهم بصلاتهم وصيامهم وأنت لا يكفر غشك بل يبقى سيئةً في صحائف أعمالك.