كيف تكون عزيزًا في قومك؟ اسلك هذا الطريق حتى لا تذل على أيديهم
بقلم |
أنس محمد |
السبت 03 اغسطس 2024 - 10:35 ص
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عبارة توضع في ميزان الذهب، وهذه العبارة هي بيت القصيد في حياة أي إنسان يبحث عما يشرف به نفسه أمام الناس، ويرفع به رأسه، فيقول عمر: " نحن قوم أعزنا الله بالاسلام فمن ابتغى العزة بغيره أذله الله".
متى تجد العزة؟
يفكر البعض أن العزة ربما تكون في كثرة المال والولد، والبعض يفكر أن العزة في المناصب العالية، وأخرون يفكرون أن العزة ربما تكون في معرفة أكابر القوم، إلا ان العزة التي وضعها عمر بن الخطاب، وحدد قواعدهان حينما تفكر فيها تجد شيئا مختلفا، ربما لا تقتنع به إذا كنت من أهل الدنيا وأصحاب الفكر المادي الذي لا يعتقد إلا بما في يديه، ولكن هناك أشياءا اخرى لا يشعر بها إلا من يعرفها، ويدرك قيمتها، من الأحرار الذين لا يحنون رؤوسهم إلا لله عز وجل، فكل جاء دنيوي له ثمن من كرامتك أمام غيرك من الناس حتى تحصل على هذا المكسب.
إلا أن العزة الحقيقية حينما تستغني عن الناس برب الناس، فالعزة تكون بطاعة الله سبحانه والقُرْب منه، والذلة والمهانة بمعصيته والبعد عنه، وأبى الله إلا أن يذل من عصاه، قال الإمام الشافعي: (مَنْ لم تُعِزُّهُ التقوى فلا عِزَّ له).
فمن كان يريد العزة فلله العزة جميعًا، فطريق العزة معروف وهو ألا تركع إلا لمن خلقك، وفي هذا الحال ستكون العزة ا بالله، فالعزة كلها لله . وليس شيء منها عند أحد سواه، فمن كان يريد العزة فليطلبها من مصدرها الذي ليس لها مصدر غيره.
إنها حقيقة أساسية من حقائق العقيدة الإسلامية، وهي حقيقة كفيلة بتعديل القيم والموازين، وتعديل الحكم والتقدير، وتعديل النهج والسلوك، وتعديل الوسائل والأسباب! ويكفي أن تستقر هذه الحقيقة وحدها في أي قلب لتقف به أمام الدنيا كلها عزيزا كريما ثابتا في وقفته غير مزعزع، عارفا طريقه إلى العزة، بألا يحني رأسه لمخلوق متجبر، ولا لعاصفة طاغية.
لذلك حينما يضعف إيمان الفرد، ويُعجبُ بمظاهرَ الدنيا وبما في أيدي الناس من الرفاهية، والمعصية، وينحني لهم إجلالاً، ويَتَطَبَّعُ بأخلاقِهم وأفعالِهم وسلوكِهم، فينطبق عليه قول رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لتتَّبعنَّ سَننَ من كانَ قبلَكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّةِ حتَّى لو دخلوا جحرَ ضبٍّ لدخلتُموه" قالوا: اليَهودُ والنَّصارى؟ قالَ: "فمَن"(متفق عليه).
ولَقَدْ سَطَّرَ سلمانُ الفارسيُ -رضي اللهُ عنهُ- أبْلَغَ درسٍ في العِزَّةِ أمام المستهزئين الساخرين، سَخِروا من تعالِيمِ الدين إذ قال قائلهم لِسلمان: "قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، حَتَّى الْخِرَاءَةَ -يعني آدابَ قضاء الحاجة- فقال له سلمانُ -بِعزةٍ وشموخٍ وافتخار-: أَجَلْ، لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أوَ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِاليَمِينَ، أَوْ أَنْ نسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ"(رواه مسلم) أراد أن تكونَ سُخريةً يكسرُ بها قلبَ سلمان، فَكَسَرَه سلمانُ بِعزةٍ وصلابةٍ وإيمان.
فالله مصدر العزة الشاملة، بذكره وعبادته والثقة به والرضا عنه والعيش في ظل منهجه، في سكناتنا وحركاتنا، نوايانا وأعمالنا، منهجنا وتوجهنا؛ فالله خلقنا لعبادته، وكرّمنا واستخلفنا وحمّلنا الأمانة التي أبت حملها السماوات والأرض والجبال.
ويعلم الإنسان حاجته إلى قوة حقيقية لا قيمة له إلا بها، وهو الذي ينطق كل شيء حوله وكل ذرة في جسده بافتقاره إلى الله الواحد، مصدر العزة والقوة، يقول الله: “يأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد” (فاطر: الآية 15). قولوا لي بالله عليكم: من الذي يعلنها أنه غني عن الله، مهما بلغ من غنىً وقوة وجاه وصحة وولد وعشيرة ومنصب؟!.
كيف تكون عزيزًا بين الناس؟
أولا: لكي تكون عزيزا بين الناس عليك بأن تكن على ثقة في الله عز وجل بقوة الإيمان، فهو أول وأكثر أسباب العزة التي يتوجب على المسلم تحصيلها، فمن يؤمن أن الله هو الخالق، من بيده التصرف في كل شيء، القاهر لعباده، لا يخش أحد، لأنه قد ركن إلى ركن شديد، فلا قيمة لكل هؤلاء البشر بكل ما يملكون.
ثانيا: العلم ، إنه يأتي في المرتبة التالية للإيمان.
ثالثا: العفو عند المقدرة.
رابعا: عدم الخلط بين " الكبر " و"العزة " والفارق بينهما شعرة دقيقة، فالكبر هو رفض الحق واحتقار الناس، بينما العزة هي العمل بالحق .
وهناك أشكال من العزة المذمومة، ومنها، الموالاة لأعداء الله، والعصبية القومية والقبلية والعشائرية، والشكل، والمظهر، والمقتنيات، والممتلكات، والجاه والمنصب.