كظْم الغَيْظ خلق إسلامي عظيم بل هو من مكارم الاخلاق التي جاء رسولنا الكريم محمد صلي الله عليه وسلم لاتمامها، لما له من تداعيات إيجابية وثمار عظيمة في حياة المجتمع والتحامه وتآلفه بل ويسهم في وانخراط أبناء المجتمع في أعماله وبين بعضهم في مجتمعاتهم وأسرهم، بشكل إيجابي ودون كثير مشكلات أو معوقات.
هذا الخلق الإسلامي العظيم يتكون من مفردتين هما"كَظْم الغَيْظ" وبحسب اللغويين يقال كَظَمَ الوَلَدُ " أي : سَكَتَ عَنِ الكَلاَمِ . " كَظَمَ عَلَى غَيْظِهِ " : حَبَسَهُ وَأَمْسَكَ عَلَى مَا فِي نَفْسِهِ عَنْهُ . " نَفَرَ أَشَدَّ نُفُورٍ وَكَظَمَ الرَّغْبَةَ بِجُهْدٍ أَلِيمٍ ". وكذلك ذكر في القرآن الكريم في قصة سيدنا يعقوب وابنه يوسف "وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ": كاظم غيظه شديد الإخفاء لما يشعر به من حُزن، وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ } ".
والغَيْظُ هنا يعني: شعورٌا بالغضَب الشديد من إِساءة يُلْحِقها به أَحدٌ أما اصطلاحاً فأن كظم الغَيْظُ قد وجه الله تعالى عباده المؤمنين لضرورة التحلي بالصبر وكظم الغيظ، بل والدفع بالتي هي أحسن. فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتقوى الروابط وتتآلف القلوب، ويُبنى ما تهدم من الروابط الاجتماعية، ولننال رضى الله وجنته. إن الشرع المطهر قد أجاز لنا أن نعاقب بمثل ما عوقبنا به، لكنه مع ذلك بيَّن أن العفو وكظم الغيظ أفضل وأحسن.
السنة النبوية احتفت بهذا الخلق الإسلامي العظيم حيث روي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم : من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره في أي الحور شاء ".
وكذلك روي عن ابن عمر - رَضي الله عنهما -: أن رجلا جاء إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله ﷺ: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه - ولو شاء أن يمضيه أمضاه - ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأَ لهُ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".
تكرر الأمر في الحديث الذي رواه سيدنا عبدالله ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله ﷺ: "ما من جُرعَةٍ أعظم أجرًا عند الله من جرعةِ غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله".
عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبي ﷺ مَرَّ بقومٍ يصطرعون؛ فقال: "ما هذا؟" قالوا: فلانٌ ما يُصارع أحدًا إلا صرعه، قال: "أفلا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجلٌ كلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلبَ شيطانه وغلب شيطان صاحِبِهِ".
من الثابت أن الدين الإسلامي شرع للعبد أن يعاقِب بمثل ما عوقِب به، وقد أرشده لما هو أفضل من ذلك كظم الغيظ، والغيظ هو شعور بالغضب الشديد إزاء إساءة أو تصرف صدر من الغير، حيث إنّ كظم الغيظ يحتاج إلى مجاهدة عظيمة فهو شديد على النفس البشريّة، ولكن إذا عوّد المرء نفسه مّرة تلو الأخرى على حبس غيظه صار الأمر سهلاً في المرات القادمة،
وأجمع أهل العلم علي أن لكظم الغيظ فوائدة شتى لذا فقد وجّه الله سبحانه وتعالى عباده إلى التحلّي بهذه الصفة الجليلة حيث قال في كتابه العزيز: "وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)
ومن أهم فوائد كظم الغيظ نيل مغفرة الله عزّ وجلّ ومحبّته والحصول على الأجر العظيم في الدنيا والآخرةفضلا ملء القلب رجاءً بيوم القيامة.
بل أن من فوائد كظم الغيظ كذلك النجاة من التصرف الخاطئ المتسرع الذي يجلب الندامة فضلا التغلب على الشيطان الرجيم والانتصار على وساوسه وإفقاده الأمل من الوقوع في المعاصي.
ويشير الكثير من من المفسرين إلي الي ان من ثمار كظم الغيظ تحقيق تقوى الله عزّ وجلّ و تدريب النفس على التحمل والصبروالتحلي بخلق كريم من مكارم الأخلاق فضلا عن الشعور بالسعادة وراحة النفس.
الرحمة بالمخطئ من أهم فوائد كظم الغيظ الشفقة عليه، واللين معه والرفق به.فلا بد من تربية النفس على الرضا، والصبر، واللين، والمسامحة؛ هي قضية أساسية، والإنسان يتحلّم حتى يصبح حليمًا. قال سبحانه وتعالى لنبيه محمد ﷺ:
وقد قال الله في سورة آل عمران :فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ وفي هذه الآية فائدة عظيمة وهي: أن الناس يجتمعون على الرفق واللين، ولا يجتمعون على الشدة والعنف
ولا يغيب عن فوائد كظم الغيظ انه يكسب محبة الآخرين ويحول الأعداء إلى أصدقاء ومحبّين ناهيك عن الفوز بدرجة كاظمي الغيظ التي موعدها جنة تجري من تحتها الانهار خالدين فيها أبدا والوصول لمرحلة الإحسان.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟ومن فوائد كظم الغيظ كذلك نيل شرف النفس وعلو الهمة بحيث يترفع الإنسان عن السباب، ويسمو بنفسه فوق هذا المقام أي: لابد أن تعوِّد نفسك على أنك تسمع الشتيمة؛ فيُسفر وجهك، وتقابلها بابتسامة عريضة، وأن تدرِّب نفسك تدريبًا عمليًّا على كيفية كظم الغيظ. إنّ جرعة غيظ تتجرعها في سبيل الله سبحانه وتعالى لها ما لها عند الله عز وجل من الأجر والرفعة.