يا من أغلقت على نفسك كل الأبواب، كيف لك أن تكون سعيدًا وأنت تنتظر غدك بلا بارقة أمل.. أو موتك بلا سابق عمل.. وقد عشت حياتك في الخط الرمادي .. ما "بين بين".. فلا أنت "صالحُ" صدقًا.. ولا "فاسد" حقًا .. تقلص حلمك من جزيرة وسط المحيط لا تنتظر فيها شيئًا.. إلى حجرة مظلمة معزولة عن العالم تريحك من كل شيء.. فلا نلت هذه ولا ربحت تلك.. لكن بينما أنت كذلك، وتتصور أن الدنيا أغلقت أبوابها جميعها أمامك، اعلم يقينًا أنك فقط تحتاج إلى "السكينة".. ذلك الدفء الذي ينزل من السماء.. ومن السماء فقط.
قال تعالى: (ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» (التوبة 26).
الرحمة المهداة
تهبط السكينة من السماء كأنها رحمة من الله عز وجل لكي تهدئ من روع النابض المرتعد داخلك.. فقط ادع وتوسل بدلاً من المكوث في كهفك الجليدي منتظرا ما لا يجيء.. أو مختبئا مما يجئ.. ادعو من تفرد بالملك ووصف بالرحمة، والقادر على كل شيء، وأن يحوله في لحظة من حال لحال.
قال تعالى: «فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (يس 83)، فالتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالإيمان به وبوحيه، والإيمان برسوله صلى الله عليه وسلم واتباعه، قال تعالى عن المؤمنين: « رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ » (آل عمران: 193).
والمؤمن يحب لقاء الله عز وجل، ولا ىخشى هذا اليوم، لأنه موقن أنه سيكون أحن عليك من الدنيا وما فيها ومن أقرب الناس إليك.
عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم مَن آمن بك وشهِد أني رسولك، فحبِّب إليه لقاءك، وسهِّل عليه قضاءك، وأقلِلْ له من الدنيا، ومَن لم يؤمن بك ويشهد أني رسولك، فلا تحبب إليه لقاءك، ولا تسهل عليه قضاءك، وأكثر له من الدنيا».
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟كيفية التقرب إلى الله
أما عن كيفية التقرب إلى الله، فالوسائل عديدة ومتغيرة، والصلاة من أساليب التقرب إلى الله تعالى، بل هي من أحب طرق التقرب، لقوله سبحانه في الحديث القدسي: «وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إلىَّ مما افترضتُه عليه».
ذلك أن القرب من الله ركن شديد، قال تعالى عن سيدنا موسى عليه السلام: « وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا » (مريم: 52)، فتقرب عبد الله من الله، ولا تتأخر، ويكفي ما ضاع منك في غرف مغلقة مظلمة، لا تدري متى النجاة، وكيف تكون.. فالله ينتظرك لأنه يحبك أكثر مما تتخيل (عبدي إن تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا، وإن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).