لا تنظر إلى أجساد الناس وأعمارهم، فقد ترى بعضهم وتتصور أنه (بلي جسده)، واقترب من الفناء لا محالة، ومع ذلك وأنت لا تدري، قد يكون هذا العجوز يجري في الحق، ويداوم على الذكر والصلاة والعبادات الأخرى، أكثر من شاب شديد القوة مفتول العضلات.. فقد قد يظل هذا العجوز يذكر الله طوال يومه، بالشكل الذي يكتبه الله عنده من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، فيفوز فوزًا عظيمًا، بينما الشاب يلهو بشبابه، وتأخذه الدنيا، فيمر اليوم تلو اليوم، ويكاد لا يذكر الله إلا قليلاً.
قال تعالى: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا» (الأحزاب 35).
أعمال لا تحتاج للقوة
كثيرة هي الأعمال التي لا تحتاج إلى القوة، بل أنه قد تكون كل العبادات ليست بحاجة لأي قوة، ويستطيع أداؤها القوي والضعيف، والشاب والعجوز، ومن ذلك ذكر الله سبحانه وتعالى، فكم من أوقاتنا تضيع في أمور تافهة أو لا تصح، أو قليلة القيمة، ومع ذلك قد يحافظ أحدهم على ذكر الله ولو قليلا فيكتب عند الله من الفائزين، دون أن يخرج لقتال العدو، أو يفعل عملا يحتاج لمبارزة أو قوة.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل»، فقط أن يجلس المرء لدقائق في معية الله، يكن من أكثر الفائزين بإذن الله برضا الله وفضله.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟أقل العمل
إذن لا تقاس الأمور بالكثرة، أو الفتية أو القوة، وإنما تقاس بالقلوب وتعلقها بالله عز وجل.
عن أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة فقال مازلت على الحال التي فارقتك عليها قالت نعم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته».
فالمتأمل في آيات الله عز وجل سيرى العجب العجاب، في بيان أهمية الإكثار من ذكر الله تعالى، ففي الجِهاد في سبيل الله وحال ملاقاة الأعداء، يأمر الله تعالى بالثبات وبالإكثار من ذكره، قال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ » (الأنفال: 45).