انتشرت في الآونة الأمراض النفسية بين الناس، منهم من يخشى الفقر، ومنهم من يخشى سوء المنقلب، وغيرها من أمور وأحوال، لكن هناك أناس لا يخشون أي شيء، ويعيشون حياة لا يملؤها سوى الأمان والسكينة، فبعدت عنهم كل أمراض العصر مهما كانت، وما ذلك إلا لأنهم آمنوا بالله عز وجل، وتيقنوا بأنه واسع المغفرة، فصبروا على ما أصابهم، وشكروا على ما رزقهم، فعاشوا في رضا منقطع النظير، ولمّ لا وهم أهل الإيمان.
عن أبي يحيى صهيب بن سنان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له».
العارفون بالله
هؤلاء لاشك هم العارفون بالله، الذين ارتضوا بقضاء الله مهما كان، لأنهم علموا أنما الحياة الدنيا مجرد دار اختبار، فقرروا التفوق والنجاح في هذا الاختبار، ومن ثم لا يمكن أبدًا أن تصيبهم الأمراض النفسية العصرية، مع أنهم واقعون في نفس الهموم والمشاكل اليومية التي تقع للبشرية لكنهم لا يتأثرون بها سلبا لأن معرفتهم بالله سلبت المشاكل تأثيرها عليهم، كما سلب الله إحراق النار عن نبيه إبراهيم عليه السلام.
قال تعالى: «قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ» (الأنبياء 69)، فلقد هدأت قلوبهم بما عرفت لأنهم موعودون بقول الله : «وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ»، وفي بعض القراءات يهدأ قلبه أي بما عرف عن ربه ، قال تعالى يوضح ذلك: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّه أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الآية 28 من سورة الرعد)، أي بمعرفة الله تهدأ وتسعد فتسكن وتطمئن.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟راحة النفس
العارفون بالله جل المعرفة، أراحوا أبدانهم وأنفسهم، من تعب وخزي الدنيا، وراحوا يسلمون أنفسهم بالكلية إلى الله عز وجل، فرفع عنهم عناء ومشقة الجهد فيما لا يفيد، لأنهم يعلمون أن دورهم يقف عند التحرك في الحدود التي حددها الله وفقط، والله عليه تدبير كل الأمور.
إذن لربما تسخط على أمر، وتقضي السنين الطوال ساخطًا، وتتأثر جوانب من حياتك سلبًا، ولا تستفيد شيئًا على صعيد تغيير الأمر الذي سخطت منه أو عليه، بينما لو رضيت لدخلت جنة الدنيا، إذ يقول نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخِط فله السخط».