حبس الجوارج من المعاصي وتجنب الشهوات والفرار منها من أهم الطاعات التي يجب علي العبد المؤمن التقرب بها من الله باعتباره تجنبه المصير الأسوأ المصير المتمثل في حبسي الدنيا والأخرة وهي طاعة تتطلب من العبد تقوي الله ولزوم مساره باعتبار التقوي سياج الأمان ومجلبة لبركات السماء والأرض
الشيخ الدكتور عبدالله الجهني إمام وخطيب المسجد الحرام،تطرق إلي هذه القضية خلال خطبة الجمعة اليوم في مكة المكرمةتطرق لأهمية تجنب الشهوات ولزوم تقوي الله بالقول إنه مَتى لم يصبر العبد على حبسي الدنيا وفر مِنْهُمَا إِلَى فضاء الشَّهَوَات أعقبه ذَلِك الْحَبْس الفظيع عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا.
"الجهني" مضي للقول ، إن طَالب الله وَالدَّار الْآخِرَة لَا يَسْتَقِيم لَهُ سيره وَطَلَبه إِلَّا بحبسين ، حبس قلبه فِي طلبه ومطلوبه ، وحبسه عَن الِالْتِفَات إِلَى غَيره ، وَحبس لِسَانه عَمَّا لَا يُفِيد ، وحبسه على ذكر الله وَمَا يزِيد فِي إيمَانه ومعرفته .
الجهيني أضاف : وَحبس جوارحه عَن الْمعاصِي والشهوات وحبسها على الْوَاجِبَات والمندوبات، فلَا يُفَارق الْحَبْس حَتَّى يلقى ربه فيخلصه من السجْن إِلَى أوسع فضاء وأطيبه وَمَتى لم يصبر على هذَيْن الحبسين وفر مِنْهُمَا إِلَى فضاء الشَّهَوَات أعقبه ذَلِك الْحَبْس الفظيع عِنْد خُرُوجه من الدُّنْيَا فَكل خَارج من الدُّنْيَا إِمَّا متخلص من الْحَبْس وَإِمَّا ذَاهِب إِلَى الْحَبْس .
وشدد على تقوى الله تعالى وتوحيده وإفراده بالعبادة دون ما سواه ، والتمسك بدينكم والثبات عليه ، فقد وعد من اتقاه بالعز والتمكين ، وبالذل والحرمان للعصاة الظالمين ، منوهًا بأن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعبده الانسان أنه لم يتركه سدى بل جعل له نورًا يهتدي به ، وقوة يرتكز عليها ، وسلاحا يدافع به.
ولفت إلى أنه قد كان هذا دأب الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام مع أُممهم بالوصية بتقوى الله عزوجل ، فنوح عليه الصلاة والسلام أولهم قال تعالى: « كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ (105) إذْ قالَ لَهم أخُوهم نُوحٌ ألا تَتَّقُونَ (106) » من سورة الشعراء، وبعده عاد عليه الصلاة والسلام قال تعالى : « كَذّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلاَ تَتّقُونَ (124) » من سورة الشعراء ، وصالح عليه الصلاة والسلام مع قومه قال تعالى: « كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُون ».
واستطرد: ولوطٌ عليه الصلاة والسلام مع قومه قال تعالى " كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ" وشعيب عليه الصلاة والسلام مع أصحاب الأيكة ، قال تعالى : " كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (176) إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ (177)" لافتا النظر إلى أنه لو أمعن النظر في بعض قضايا التشريع لوجد التقوى في مقدمتها تهيئة لها أو نتيجة عنها وفي مقدمة ذلك قضية الربا قال تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ".
واستدل الجهيني علي علو مقام التقوي بما قال تعالى " إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ " ، والتقوى في الدنيا مجلبة لبركات السماء والأرض " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ".
وأوضح أن في أعظم المواقف وأخطرها في الآخرة حين يجمع الله الخلائق ولم يبق إلا السوق إما إلى الجنة وإما إلى النار ، في يوم يجعل الولدان فيه شيبا ، ويفر فيه المرء من أخيه وأمه وأبيه نجد مساق المتقين.ودلل بما قال تعالى :« وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (73)» مشيرًا إلى أنه لعظم أمر التقوى كانت وصية رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في آخر حياته بتقوى الله تعالى.
ونصح خطيب المسجد الحرام صلي الله ليه وسلم المسلمين على العمل بالتقوى في نفوسهم وأهليه وأموالهم وأولادهم ومعاملتهم ومن تحت أيديهم ، وفي ما ائتمنوا عليه من مصالح المسلمين ، وفي كل مجال من مجالاتهم العامة والخاصة ليفوزوا ويفلحوا.
وبين أن التقوى ذكرت في كتاب الله في أكثر من مائتين وخمسين موضعا ، بل إنه قد تكرر الأمر بالتقوى في الآية الواحدة مرتين أو ثلاثا قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ " الآية 18 من سورة الحشر،
اقرأ أيضا:
تعرف على آخر وقت التكبير في عيد الأضحىوقال تعالى : " لَيْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ" الآية 93 من سورة المائدة.
الأهمية الكبري لتقوي الله وعلو مقامه وتشديد الرسول صلي الله عليه وسلم علي السير في إطارها والتقرب إلي الله بها تبين أنها الطريق القويم لنيل الجائزة الكبري والمتمثلة في جنة عرضها السماوات والأرض أعدت المتقين وما أعظمها من جائزة.