كرم الله عز وجل الجبال، وجعل لها سرًا لا يعلمه إلا هو، حتى أن الله عز وجل تجلى على بعضها حينما كلم الله موسى تكليمًا، وبعضها أمره ربه بأن يسبح مع داوود، وأخرى شرفت بنزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم، فما هو السر الذي كرم به الله عز وجل هذه الجبال وماهي الجبال المقدسة في الإسلام والقرآن؟.
فالجبال خلق من مخلوقات الله العظيمة، ذكرها الله في كتابه العزيز في أكثر من أربعين موضعاً؛ تتحدث عن صفاتها ووظائفها وخصائصها، وتدعو إلى التأمل فيها والتدبر في كيفية خلقها، وتشير إلى شيء من عظيم قدرة الله في تكوينه لها، وشدة بنائها، كما تتحدث عن مصيرها ومآلها يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسماوات، وكيف تتحول هذه الجبال مع عظمتها وقوة خلقها هباء منبثاً وكالعهن المنفوش.
وليس هناك أعظم من القرآن ليدلل على قدسية الجبال من أن الله أشهدها على تعنّت الفئة الكافرة التي رفضت عبادة الله عز وجل، قال تعالى: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [سورة هود: 42-43].
بل إن القرآن أكد أن الجبال تسجد لله تعالى وتُسبح وتخشع له، وأنها ثالث الكائنات التي عُرضت عليها الأمانة لحملها، وأنها جاءت بأفعال تدل على إدراكها، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ [سورة الحج: 18]، فهذه الآية عامة في إثبات السجود لله تعالى من جميع الكائنات، ولكن كيف تسجد الجبال فلا يعلم ذلك إلا هو سبحانه. يقول ابن كثير رحمه الله عن سجود الجبال: "وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشمائل".
وسبحت الجبال لربها مع داوود قال تعالى: ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [سورة الأنبياء: 79]، وقال تعالى: ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ﴾ [سورة سبأ: 10]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ﴾ [سورة ص: 18].
فالتسبيح في الآيات السابقة هو على الحقيقة، فقد جعل الله سبحانه لها إدراكاً تسبّح به، واقترانها بالتسبيح مع داوُد عليه السلام وتسخيرها لذلك هو من باب إظهار معجزة هذا النبي عليه السلام، وكذلك استئناساً وإعانة له على التسبيح؛ بحيث تردد معه تسبيحه أو تسبح هي بأمره لها، فجعلها الله عز وجل مُسخَّرة لأمره عليه السلام، فالنداء في قوله تعالى: "يا جبال" للخطاب لمن يُدرك.
اظهار أخبار متعلقة
فقه وخَشية الجبال:
وذكر الله في الجبال من صفات جميلة ما لم نجدها في الإنسان الجاحد بنعمة الله، قال تعالى: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [سورة الحشر: 21]. فالله عز وجل يذكّر الناس بخشيته والخوف منه سبحانه، وذلك باجتناب المعاصي وفعل الطاعات، فالجبل مع صلابته ومع افتراض نزول القرآن عليه فإنه يخشع لله تعالى، فالبشر مع تفضيل الله تعالى لهم على كثير من الكائنات أولى بأن يكونوا أكثر لله تعالى خشية.
وجاء في القرآن الكريم ما يدل على أقل من هذا التصدع في قوله تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [سورة الأحزاب: 72]. فهذا نص صريح بأن الجبال أشفقت من حمل الأمانة، وهي أمانة التكليف بمقتضى خطاب الله تعالى لها، فإذا كانت الجبال أشفقت لمجرد العرض عليها فكيف بها لو أنزل عليها وكلفت بها؟، فانظر لفقه الجبال وخشيتها من ربها في الوقت الذي يجحد الإنسان أنعم الله عليه ويتحدى بعناده.
ومن سر الجبال الذي لا يعرفه إلا خالقها سبحانه وتعالى أنه عز وجل تجلى على أحدها، في حديث عن عبودية هذه المخلوقات لربها وخالقها سبحانه، وذلها -على عظمتها وصلابتها- بين يدي موجدها وبارئها، بل إنها لتندك لتجلّي ربها إعظاماً وإجلالاً وذلاً وخوفاً، كما في قصة موسى عليه السلام عندما قال: ﴿وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [سورة الأعراف: 143].
كما أن الجبل انفطر من البكاء على ما يصدر من الإنسان من كفر وجحود، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا﴾ [سورة مريم: 88-91].
فكانت هذه الغضبة الكونية التي اشتركت فيها السماوات والأرض والجبال حتى تحولت إلى زلزال كبير مدمّر بمجرد سماعهم لهذه الكلمة "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً"، وكأن الكون كله قد تحول إلى أفواه مزمجرة تقول لهؤلاء المشركين: "لقد جئتم شيئاً إدّاً".
وأشار القرآن إلى أن الجبال أوتاد للأرض، والوتد يكون جزء منه ظاهراً على سطح الأرض ومعظمه غائراً فيها، ووظيفته التثبيت لغيره، فقال تعالى: ﴿وَالْجِبالَ أَوْتاداً﴾ [سورة النبأ: 7]، وقال تعالى: ﴿وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [سورة لقمان: 10]، وقال تعالى: ﴿وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُون﴾ [سورة الأنبياء: 31].
فلولا الجبال لظلت الأرض تميد بالناس وترتجّ بهم ذات اليمين وذات الشمال، فتحدث الزلازل بين الحين والحين، وبصدد تلك الرواسي جاء في سورة الرعد: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [سورة الرعد: 3].
ووصف الله عز وجل في القرآن حال الجبال يوم القيامة، لتبين أن هذه الجبال يوم القيامة تكون كالصوف المنفوش، وأنها تسيّر، وأنها تُفتّت حتى تكون كالهباء المنبثّ في شعاع الشمس، قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [سورة طه: 105-107].
وقال تعالى: ﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ [سورة الكهف: 47].
و قال تعالى: ﴿وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا﴾ [سورة الواقعة: 5-6].
اقرأ أيضا:
عجائب الدنيا.. تبكي عيسى عليه السلام وتذهل الخضرأشهر الجبال
الصفا والمروة
من أشهر الجبال التي خلقها الله عز وجل جبال "الصفا والمروة" من شعائر الله، وهما الجبلان المشهوران التي كانت ترتقي عليهما هاجر في رحلة البحث عن الماء لصغيرها اسماعيل قبل أن ينبع الماء من تحت قدميه.
ولا يزال "الصفا والمروة"، جبلين صغيرين، يطلعهم المسلمون اقتداء برحلة البحث الأولى عن الماء في مكة.
جبل عرفات
جبل عرفات، من المشاعر المقدسة، وهو كما تقول بعض الروايات، إنه المكان الذي تعارف فيه "آدم"، بـ "حواء".
ولايزال "عرفات"، جبلاً شاهداً حياً في المكان، حيث يعد الوقوف فيه من أركان الحج.
جبل النور
وسمي بهذا الاسم، نسبة لانبعاث النور منه برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، واسمه القديم جبلحراء، ويضم الجبل، "الغار الذي تعبد فيه الرسول الكريم في قبيل نزول الوحي عليه"، وفي هذا الجبل نزل الوحي وانطلقت رسالته للعالم أجمع.
ويقع جبل النور شمال شرق المسجد الحرام، ويبلغ ارتفاعه ٦٤٢ متراً، ويقع الغار الشهير في قمته التي تشبه سنام الجمل.
جبل ثور
يقع جنوب مكة، فمنه انطلقت الهجرة النبوية بعد اختباء الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبه في هذا الجبل ثلاثة أيام قبل أن يسلكا طريق الهجرة في رحلة شهيرة انطلق منها التاريخ الهجري الحديث.
ويبلغ ارتفاع "جبل ثور"، 728 متراً، ويمتد من الشمال إلى #الجنوب ويوجد في أعلى جبل ثور، الغار الشهير الذي ورد في #القرآن الكريم "إذ هما في الغار".
جبل أحد
أحد جبال الجنة وكما هو معلوم فإن جبل أحد المتاخم للمدينة المنورة وقعت عنده المعركة الشهيرة التي سميت باسمه "معركة أحد"، ورغم ما حصل للمسلمين في هذه المعركة من هزيمة إلا أن هذا لم يؤثر في هذا الجبل الشهير.
وقال عنه الرسول الكريم، كما ورد في فتح الباري "أحدٌ، جبل يحبنا ونحبه وهو من جبال الجنة".
جبل ورقان
جبل ورقان أو جبل حمت الاسم القديم وهو أيضا من جبال الجنة كما ورد عن الرسول عندما مر بالقرب من هذا الجبل: "هل تدرون ما اسم هذا الجبل، هذا حمت جبل من جبال الجنة اللهم بارك فيه وبارك لأهله".
وجبل حمت أو ورقان، أحد جبال المدينة المنورة، ويقع في قرية هبت في الناحية الجنوبية الغربية للمدينة المنورة وعلى بعد سبعين كلم عن طريق الهجرة السريع ويبلغ ارتفاعه 2400 قدم عن سطح البحر.
جبل الطور
حيث كلم الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عليه السلام.
ويقع جبل موسي في جنوب سيناء، أو جبل الطور، بعيدًا عن القاهرة بحوالي 300 كم ويبلغ ارتفاعه حوالي 2000 متر. جبل موسى يعتبر من أشهر الجبال في مصر والمنطقة بأسرها أيضاً، وهو مقصد سياحي هام بالنسبة للعديد من سكان الأرض، فمن ينظر إلى الجبل من أعلاه بإمكانه أن يرى مشاهد رائعة من الجبال المحيطة بهذا الجبل، كما أنّ مقدار الروحانية التي تهبط عليه عالية جداً، كونه ارتبط بواحد من أقدس الشخصيات الإنسانية على الإطلاق.
سمّي هذا الجبل المقدس بهذا الإسم نسبةً إلى نبي الله موسى -عليه السلام- الذي عاش في مصر، وانتقل إلى بلاد الشام في مرحلة لاحقة من حياته، وموسى -عليه السلام – هو واحد من أعظم رسل الله تعالى؛ فهو من أولي العزم من الرسل، أرسله الله تعالى إلى فرعون في مصر حتى يخرج بني إسرائيل من الاستعباد والذل، وقد دارت أحداث عظيمة بين موسى وفرعون على الأرض المصرية انتهت بخروج موسى بقومه وعبورهم البحر بعد أن شقّه الله تعالى أمامهم، وأغرق فرعون وجنوده فيه.
نال هذا الجبل تلك القدسية العالية، كونه الجبل الذي كلم عليه موسى ربه، وهو الجبل الذي تلقى عليه الوصايا العشر أيضاً وفقاً للديانات السماوية الثلاثة: اليهودية، المسيحية، الإسلام.
وهو الجبل الذي تجلى الله عليه وذكر في قوله الحق: “وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ”.
وقد طلب موسى بأن يرى الله ، وأخبره الله بأنك يا موسى لا قُدرة لك على رؤيتي، وليريه ذلك طلب منهُ أن ينظر للجبل، والذي بمجرد تجلي الله له انهار الجبل وأصبح دكاً، وخر هو صاعقاً من هول ما رأى مما حدث للجبل.
وكلم الله سُبحانه وتعالى سيدنا موسى عليه السلام ، مراتٍ مُحددة وفي أُمورٍ هامة، من أهمها اختياره لهُ، وفي أوقات حددها الله “ميقات”، وبأن كان الله يُرسل كلامه فقط وبمشيئته وقُدرته وهو القادر على كُل شيء، فكان سيدنا موسى عليه السلام يسمع الكلام فقط، وكان الكلام يأتي في المكان الذي يُحدده الله لهُ، ويسمعه موسى من جميع الاتجاهات، وكان يُعطيه الله إشارات لذلك وأمكنة يُحددها لهُ لسماع الكلام، ويقول لهُ أنا الله، ليتلقى من الله ما هو مطلوب منهُ عن طريق كلامه الذي أرسله لهُ من السموات العُلى، أما ما ورد من إتيانه أو نزوله للأرض، فتتم بمشيئته وعلى نفس الكيفيه التي كلم بها نبيه ورسوله موسى عليه السلام.