للقرآن الكريم تأثير غير محدود، فله تأثير على الملائكة والجن والرسل والمؤمنين به وأهل الكتاب وغيرهم، بل إنه لو نزل القرآن الكريم على جبل لتأثر بالقرآن، وبالرغم من ذلك يقرأ الكثير منا القرآن ولا يتأثر به، ربما لعدم استعداده لقراءة أو سماع القرآن، كما وجه ربنا جل وعلا في كتابه: " وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (الأعراف 204)، أو لقسوة قلبه.
وهو ما حدث مع سيدنا عمر بن الخطاب، فهو وبالرغم من سماعه للقرآن مرات عديدة وبالرغم من فصاحة لسانه ويقينه من إعجاز القرآن الكريم وأنه ليس من كلام البشر، إلا أنه لم يؤمن به إلا بعد أن رق قلبه لأخته فاطمة بعد ضربها عقابا على إيمانها، فاغتسل وسمع القرآن ليرضيها، وعندها تفتق قلبه لكلمات كلام الله حينما سمع قوله تعالى "طه .. ما أنزلنا عليك القرآن لتخشى"، فوقع أثر القرآن في قلب وعقل عمر وآمن وأصبح أشد المدافعين عنه.
اقرأ أيضا:
وانتهت الأيام العشر.. فهل انفض مولد (الإيمانيات)؟أثر المعجزة
والقرآن: هو "كلام الله تعالى المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المتعبدُ بتلاوته"، و المعجزة الباقية إلى قيام الساعة لأن الله سبحانه وتعالى تكفل بحفظه قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ [الحجر: 9] وتحدى الله عز وجل الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن فقال تعالى: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [الطور: 34] فإذا تشككوا في مصدر القرآن أو ظنوا أن محمد اختلقه واكتتبه فهذا الجواب وتحداهم مرة أخرى في قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ [هود: 13] ثم تحداهم مرة أخرى ولو حتى بسورة واحدة فقال تعالى﴿وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [البقرة: 23].
ثم تلا هذه الآية بآية أخرى وفيها الإخبار بأن النتيجة ستكون العجز قال تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: 24].
وفي هذه الآيات إشارة واضحة على أن هذا القرآن من عند الله وكم حاول الكفار وأصحاب الدعاوى الباطلة مضاهاة القرآن لكنهم عجزوا، ومن أمثلة ذلك "أن أصحاب أحد الفلاسفة وهو الفيلسوف المعروف الكندي قالوا له: أيها الحكيم اعمل لنا مثل هذا القرآن فقال: نعم أعمل مثل بعضه فاحتجب أياماً كثيرة ثم خرج فقال: والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ونهى عن النكث وحلل تحليلا عاما ثم استثنى بعد استثناء ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا"(6) والمقصود بالآية التي اطلع عليها هذا الفيلسوف قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ﴾ [المائدة: 1].
وهذا مسيلمة الكذاب حاول مراراً أن يأتي بمثل هذا القرآن لكنه عجز. فقال الإمام ابن كثير: "ذكروا أن عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذاب، وذلك بعد ما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبل أي يسلم عمرو، فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدة؟ فقال: لقد أنزل عليه سورة وجيزة بليغة فقال: وما هي؟ فقال: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنّ الإِنسَانَ لَفي خُسْرٍ * إِلاّ الّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصّبْرِ﴾ [سورة العصر]ففكر مسيلمة هنيهة ثم قال: وقد أنزل علي مثلها، فقال له عمرو: وما هو؟ فقال: (يا وبر يا وبر، إنما أنت أذنان وصدر وسائرك حفر نقر) ثم قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرو: والله إنك لتعلم أني أعلم أنك تكذب"(7).فهذا الرجل في حال شركه لا يخفى عليه كلام الرحمن من الهذيان.