ذكر الله والتقرب إليه بالنوافل والقيام بالفروض عبر السجود والاقتراب وعبادة الله بالإحسان وان تعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك وهي أعظم مكانة يقترب بها العبد المؤمن ربه وكذلك التوبة إلي الله والتقرب إليه بالدعاء .. هذه ست طاعات يجب ان يحرص عليها العبد المؤمن ويكثر منها إذ رغب في الاقتراب من ربه والفوز بالجنة.
هذه الطاعات التي تقرب إلي الله تطرق إليها الشيخ الدكتور فيصل بن جميل غزاوي، إمام وخطيب المسجد الحرام، خلال خطبة الجمعة اليوم بمكة المكرم إن مِن أعظم ما يورث القرب من الله ذكر العبد لربه، فعلى قدر ما يذكره يكون قربه منه؛ ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «أنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ إذا ذَكرنِي».
"غزاوي" أوضح كذلك أنه مما يتحقق به القرب من الله أداء الفرائض والإكثار من النوافل ففي الحديث القدسي يقول الله تعالى: «وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّه».
ومضي غزاوي للقول إن من أجلّ الفرائض التي يتقرب بها العبد إلى الله الصلاة والسجود لله تعالى؛ لذلك أرشد الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» فقوله «واسجد» اهتماما بالصلاة، وعطف عليه «واقترب» للتنويه بما في الصلاة من مرضاة الله تعالى بحيث جعل المصلّي مقترباً من الله تعالى.
خطيب المسجد الحرام استدل علي ذلك بما قال -صلى الله عليه وسلم- : «أقربُ مَا يَكونُ العبْدُ مِن ربِّهِ وَهَو ساجدٌ، فَأَكثِرُوا الدُّعاء» فالسجود يحكي غاية الخضوع والتواضعَ وتركَ التكبر وكسرَ النفس لله تعالى، فإذا سجد العبد لله فقد خالف هواه وقرب من مولاه ودنا من رضاه، ولذلك أرشد صلى الله عليه وسلم من سأله مرافقته في الجنة بقوله: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» وفيه الحث على كثرة السجود والترغيب فيه والمراد به السجود في الصلاة.
وونبه إلي أن الإحسان ذروة الأعمال وخير مكانة يحتلها العبد، وبه يعظم قربه من ربه «إنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِين»، قال ابن القيم رحمه الله: "حظُّ العبدِ من القرب من الله على قدر حظه من مقام الإحسان، وبحسبه تتفاوت الصلاة حتى يكون بين صلاة الرجلين من الفضل كما بين السماء والأرض، وقيامهما وركوعهما وسجودهما واحد."
وأشار إلى أن الدعاء شأنه عظيم؛ فلله قرب من عابديه وداعيه بالإجابة والمعونة والتوفيق قال سبحانه: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ» ومن القرب المحمود أن يكون المرء أقربَ منزلة من النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة قال صلى الله عليه وسلم «إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلسًا يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقًا».
وقال: ومما عرف من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم العطرة وشمائله الكريمة أنه كان قريبا من الناس، يتجلى فيه جميل المعاشرة وأدب المخالطة فيحب لهم الخير ويحرص على نفعهم وقضاء حوائجهم وتفقد شؤونهم وإجابة دعوتهم والإصلاح بينهم والصبر على أذاهم والعفو والصفح عن إساءتهم، وقد بيّـن فضل ذلك العمل بقوله: «ألا أخبركم بمن يحرم على النَّار، وبمن تحرم النَّار عليه؟ على كلِّ هيِّن ليِّن قريب سهل» أي كل قريب من النَّاس بمجالستهم في محافل الطَّاعة، وملاطفتهم قدر الاستطاعة، وكل حليم لين الجانب، سَمْحٍ في معاملة الناس.
وأوضح خطيب المسجد الحرام إلي أن ثمة عبادات مشروعة تكون سببا في قرب العبد من ربه، فالتوبة إلى الله من أجَلِّ ما يقرِّب المرءَ إلى مرضاة الله ويبعده عن مساخطه.
وتابع: كما قال نبي الله صالح عليـه السـلام لقومـه: «فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ» أي إن ربي قريب ممن أخلص له العبادة ورَغِب إليه في التوبة، مجيبٌ له إذا دعاه، منوهًا بأن الإحسان ذروة الأعمال وخير مكانة يحتلها العبد، وبه يعظم قربه من ربه.
بحسب الدكتور غزاوي فقد أجمع الفقهاء أن يكون المرء على بينة من أمره؛ يعرف متى يكون القرب من الشيء نافعا مفيدا فيدنو منه ومتى يكون القرب من الشيء ضارا غير مفيد فينأى عنه، منوهًا بأن أعظم القُرْب القربُ من الله، وقد امتدح الله الذين يتنافسون في القرب منه.
ونوه في حالهمبأنهم: «يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ» وقال تعالى: «وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ» يعني أن غيرهم دونهم في القرب من الله تعالى ومما هو معلوم أن مراتب القرب من الله تعالى تختلف بحسب رتبة المقرَّب، فالملائكة عليهم السلام شرَّفهم الله بالعبودية له وجعلهم مقربين.
وفي نفس السياق ووفقا لخطيب المسجد الجرام و كما جاء في وصفهم بأنهم: «الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ»، والأنبياء والرسل جميعا سادة المقربين، وقد وصف الله نبيه عيسى عليه السلام بكونه «وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ»، وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم فهو أقرب المقربين إلى الله تعالى وأعلاهم منزلة عنده.
وخلص خطيب المسجد الحرام في نهاية خطبته للقول المؤمن العاقل الحصيف يُقبِل على الخير وما يُعِيْنُه عليه، ويحرص على ما يُرضي ربه ويقربه إليه، ويجتنب الأعمال التي تبعده عن مولاه، ويحذر قربان ما يكون له خسارة في دنياه وأخراه.