في مساجد القرى والنجوع، دائمًا ما نسمع المنادي وهو يقول (توفي إلى رحمة الله فلان بن فلان)، وحين يخرج الناس للتعازي، يسألون من المتوفى.. فتكون الإجابة من بعضهم (توفي فلان بن فلان)، فكيف ننطق الاسم صحيحًا؟.. هل هو المتوفّى أم المتوفي؟..
فالمتوفي.. (صيغة اسم الفاعل من غير الفعل الثلاثي)، وهو الله تعالى، الذي يتوفى الأنفس حين موتها، قال عز شأنه: « اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى »، وأما المتوفّى (على صيغة اسم المفعول من غير الفعل الثلاثي)، وهو الإنسان الذي استوفى الله عز وجل مدة حياته، فلم يبق له منها شيء، فحل أجله لانقضاء عمره.
من المتوفّى؟
للعرب عجائب عديدة في لغتهم الجميلة (العربية)، إذ يروى أن بعضهم حضر جنازة فسأل بعض الفضلاء الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقالوا: من المُتَوَفِّي؟، (بكسر الفاء المشددة)، فقال رضي الله عنه: الله تعالى، فأنكر الناس ذلك إلى أن تبين لهم الخطأ، فقال الإمام علي: "قل: من المتوفّى (بفتح الفاء المشددة)، بل أن أحد اللغويين يروي قصة وقعت له بسبب هذه الكلمة، فقال: «مررت في طريقي فرأيت جنازة تشيع، وسمعت رجلاً يسأل: من المتوفِّي (بالياء)، فقلت له: الله سبحانه وتعالى؛ فضربت حتى كدت أموت».
وفي فهم المعنى بشكل أكبر، يفسر أهل اللغة معنى كلمة (المتوفى)، بأن الإنسان يفي بعدد أيامه وسنين عمره، فيموت، أي أن المعنى ليس له علاقة بالوفاة، وإنما بإنهاء عدد أيامه المكتوبة من قبل، وهنا استشهدوا بقوله تعالى: «وَٱلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَٰجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍۢ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِىٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ»، أي أن المعنى هو الوفاء بالعدد وليس الوفاة.
اقرأ أيضا:
تعرف على آخر وقت التكبير في عيد الأضحىقبض الروح
إذن عليك أن تتريث قبل النطق بالكلمة، لأن كلمة (المتوفّى)، تعني قبض الروح لإنسان ما، بينما (المتوفي) بالياء، فتعني الله صاحب قرار الوفاة ذاتها، قال تعالى يوضح ذلك: «قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ»، وفي ذلك يقول العلامة الألباني: «فلان توفى: أي استوفى أجله، وخير منه أن يقال: فلان توفاه الله، لأن الأول فيه إيهام، والكلام من الموهمات ليس من أدب الإسلام، وهو يحتاج إلى تأويل، والكلام المؤول لا حاجة إليه ما دام أن في الكلام سعة في التعبير السليم، إذ يقول النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم (لا تكلمن بكلام تعتذر به عند الناس)».