اطلع الله سبحانه وتعالى على قلوب العباد، وهو أعلم بما فيها، فوجد من يحسن الظن فيه، فعاملهم بحسن ظنهم، واصطفى منهم المبشرين بالجنة بغير حساب ولا سابقة عتاب أو عذاب، وهؤلاء لم يحصلوا على هذا الجزاء ظلمًا لغيرهم، في أن فضل الله عبدًا على عبد بدون سبب، حاشا لله أن يكون الله هكذا، قال تعالى: "وما ربك بظلام للعبيد"، ولكن كان جزاء هؤلاء في الجنة إنما لعملهم وحسن ظنهم في خالقهم، وحسن توكلهم عليه، فكلنا بشر وكلنا مخطئون، لكن خير الخطائين التوابون كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد جعل الله عز وجل الجنة سلعة غالية، وجعل أهلها من التوابين المتطهرين المؤمنين به وبكتبه ورسله، والمتوكلين عليه، والله عز وجل كريم يحب الكرم، فلا يعجزه أن يكرم عددًا كبيرًا من عباده بالجنة وهو أكرم الأكرمين، فأدخل هؤلاء الجنة بغير حساب وعددهم سبعون ألف، كما بشر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
“عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ.
وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَلا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ .. “. رواه البخاري.
من هم أصحاب الجنة وماهي صفاتهم من السبعين ألفًا؟
كما ذكر العلماء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم، صفات السبعين الف الذين الجنة بغير حساب وصفاتهم كما ذكرها النبي هي:
أولاً: لا يسترقون
الرقية هي قراءة القرآن الكريم على من وقع عليه فعل الحسد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنِ اسْتَطَاعَ مِنكُم أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَنْفَعْهُ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقى، ويرقى، لكن الأمر المقصود، والغرض المعنى هنا ليس أن يرقي شخص غيره ، ولكن أن يذهب شخص لآخر يطلب منه أن يرقيه، والطلب هنا هو المعني، وذلك لأنه يطلب الشفاء من الله بكلام الله وآياته، وبين المسلم وربه لا يوجد حجاب، ولا حاجز، ولا واسطة، ولا كهنوت، ليكون لشخص الوسيلة الأقرب من الله، فعلى من يحتاج الرقية أن يؤدي ذلك بنفسه أو لنفسه، دون طلب من بشر.
والمعنى أن الله يحب أن يأتيه عبده مباشرة يدعوه فلا يكن هناك واسطة بين العبد وربه، إلا من أذن لهم الرحمن من أصحاب الشفاعة وسيدهم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الشفيع الذي ترجى شفاعته.
فالقرآن موجود، ومحفوظ ومتوفر، والله الواحد الأحد الصمد، باقي وواجد كل شيء وليس بينه وبين عباده ما يمنعهم من اللجوء إليه، هو يسمع ويرى، ويستجيب، ويجيب نداء المضطر، فالأولى بمن احتاج الرقية أن يؤديها بنفسه ويرقي نفسه.
فهناك فرق بين أن ترقي ابنك أو زوجتك أو نفسك أو شخصا عزيزا عليك، وبين أن يذهب ذلك الشخص يطلب الرقية من غيره من الدجالين، فمن يتطوع الشخص بنفسه لرقية غيره، فإنه أمر جائز ومستحب لا غضاضة فيه، لأنه انتفى فيه الرجاء من شخص، ووساطته، بل هو عمل وتطوع فردي، ويشبه هنا حالة المساعدة بدون سؤال، والخلاصة أن لا مانع من تطوع شخص برقية شخص أخر دون سؤال منه أو طلب ، الغير مستحب، وقد يدخل فيه شرك أصغر هو طلبها باللسان من الغير، لتعلق القلب بالراقي وليس بالله، وهو يخرج الشخص هنا من بين السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب.
اظهار أخبار متعلقة
ثانيًا: لا يتطيرون
لا يتطيرون أي لا يتشاءمون فقد كان الناس في الجاهلية وقبل الإسلام يتطايرون، والمقصود بها يعلقون على الطير مصيرهم، فإذا كان الشخص يريد السفر ورأى غراب أو بومة، كان ذلك بالنسبة له نذير شر، وكذلك أيضاً إذا رأوا بومة أو غراب فوق المنزل، أو بالقرب منه يعتقدون بحدوث المصائب لأهل هذا الدار، وغيرها من الأمور المشابهة.
وكان البعض منهم يربط مصير تحركاته بالطير وحركته فإذا أراد الإقدام على أمر ورأى طير يتجه لليمين فهذا معناه بالنسبة له أن هناك خير قادم من هذا العمل، أما لو اتجه الطائر للشمال فإنه يتشائم، وقد كان رجل مع ابن عباس ورأى غراب فحاول أن يبث التفاؤل وقال خير خير، على اعتبار دفع التشاؤم عن النفس، فأخبره ابن عباس أنه لا شر ولا خير، ولا علاقة للطير أي كان نوعه بومة أو غراب أو غيرهما، بالخير والشر وما شابههم.
فالتشاؤم هو نزاع لله في صفاته وهي علم الغيب، وما يعلم الغيب إلا الله سبحانه، وتعالى وإن أراد أن يطلع على غيبه أحد فلا يكون طير بل هم من يستحقوا حمل تلك الأمانة من الملائكة، كما قال سبحانه وتعالى في أواخر سورة الجن أنه الله لا يطلع على غيبه أحد إلا بشروط، وليست طيور أو نجوم، أو غيرها مما يتفائل ويتشائم به الجاهل.
ثالثًا: لا يكتوون
يدخل الجنة بغير حساب من لا يكتوي طلب للعلاج بالنار، مادام هناك متاح العلاج بغيره، ولعل الكي بالنار والله أعلم من حكمة الله فيه لاستخدام النار التي هي عذاب أهل جهنم، والعلاج بالكي يكون للضرورة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الشفاء في ثلاثة: شربة عسل، وشرطة محجم، وكية نار، وأنهى أمتي عن الكي.
رابعًا: على ربهم يتوكلون
التوكل على الله هو حسن الظن فيه، في كل أمر من أمور الحياة وشؤون المسلم، و التوكل عمل قلبي، وليس فعل وتحرك محسوس، ولا يعلم عنه شيء سوى الله سبحانه وتعالى، والذي يتوكل على ربه، هو الذي يسعى بالأسباب، ويعلم أن الخير كله وما يرجوه بيد الله سبحانه وتعالى.