"وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ *إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا*فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُون*قالوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ*قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ* قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قالوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ"
هذه الآيات التي وردت في سورة يسن كانت تخص آل ياسين حيث كانوا من بني إسرائيل الذين اعتادوا علي تكذيب الأنبياء إذ جاءهم ألف رسول ونبي من أنبياء الله عز وجل منهم من قصهم الله على محمد عليه الصلاة والسلام ومنهم من لم يقصص، وغن كثرة إرسال المولى عز وجل المرسلين لبني إسرائيل ليس دليل على أنهم أهل خير.
ولعل ابرز دليل علي تربصهم وتكذيبهم الأنبياء وشدة أمراضهم،إنهم لم يهتدوا فكانوا يقتلون ويكذبون بالرسل، ومن بين القصص القرآنية التي أوردها المولى عز وجل عن تكذيب بنو إسرائيل قصة أهل القرية والتي وردت في سورة يس
وتتعلق هذه الأية بما حدث في إحدى القرى وقد أمر الله عز وجل نبينا عليه الصلاة والسلام أن يضرب للكفار تلك القرية وماذا حدث فيها، وفي الواقع فإن القرية غير معروفة ويقول البعض أنها إنطاكية وهي مدينة تقع في تركيا الحالية، لكن القرآن لم يذكر مكانها، ولو كان معرفة مكانها أمر هام لأخبرنا المولى عز وجل بذلك.
لكن الله تعالى أخبرنا أنه أرسل إليهم رسولين في وقت واحد وهذا ليس مستغرب على بنو إسرائيل ولما لم يؤمن أهل القرية أرسل إليهم المولى عز وجل رسول ثالث يدعوهم للإيمان بالله عز وجل ومثل غيرهم من القوم الظالمين قاموا بتكذيب الرسل الثلاثة ثم استهزؤوا بهم واحتقروهم ثم هددوهم فهذه طبيعة جميع أعداء الرسل، وبنو إسرائيل خاصة..
وطبعا كالعادة كذبوهم وقالوا له ما أنتم إلا بشر مثلنا وأن الله تعالى لم يرسل شيء، لكن الله تعالى كان يرسل بشرًا لهداية الناس فجميع الأنبياء من البشر، وقد حاول الأنبياء معهم وأخبروهم أن عليهم البلاغ فقط، فكان ردهم أن قالوا لهم لقد تشاءمنا منكم فكان كلما أصابهم شر اتهموا الأنبياء أنهم هم السبب فيه، وكانوا يستهزئون منهم، وبالرغم من أن الرسل حذروهم من أن ما يصيبهم بشؤم أفعالهم إلا أنهم لم يؤمنوا واستمروا في العناد والكفر.
وصلوا في المرحلة الثالثة بدأوا تهديديهم فقالوا لهم إن لم تنتهوا عما تقولون سوف نرجمكم، والرجم هو من أشد أنواع القتل.
وقد أورد المولى عز وجل في كتابه العزيز أن رجلًا من أهل القرية قد ءامن بالرسل وصدقهم وحاول نصرهم ودعوة الناس لتصديقهم وهذا الرجل يسمى حبيب النجار، وقد عرف في التاريخ الإسلامي باسم مؤمن آل ياسين، وذلك لأن الله تعالى ذكره في سورة يس في قوله تعالى:
” وقال الله تعالي في آيات سورة يسن ..وجاء من أقصى المدينة رجلًا يسعى، قال يا قوم اتبعوا المرسلين، اتبعوا من لا يسئلكم أجرًا وهم مهتدون، ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون، أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغني شفاعتهم شيئًا ولا ينقذون،إني إذا لفي ضلال مبين، إني آمنت بربكم فاسمعون، قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمون، بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين” صدق الله العظيم.
وأجمع المؤرخون علي أن حبيب النجارآمن بالله عز وجل وصدق الرسل، ويقال أنه كان رجل مريض بالجذام، وكان بيته في أخر القرية، وبالرغم من مرض حبيب النجار إلا أنه لم سمع بما حدث للأنبياء خرج يركض من بيته حتى وصل للقوم وأخذ يدعوهم لاتباع الأنبياء الذين لا يبحثون عن مال أو منصب وقد أخذ يذكرهم بالله عز وجل وأنه هو الضار النافع وأن تلك الأصنام التي يعبدونها لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا.
وقد عبرت آيات سورة يسن عن هذا الموقف بالقول ” وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين ، اتبعوا من لا يسئلكم أجرًا وهم مهتدون.
لكن ما كان من أهل القرية الكفار إلا أن ألقوه على الأرض وأخذوا يدوسونه بأقدامهم حتى خرجت أمعائه، ويقال أنهم حفروا حفرة فألقوه فيها وأخذوا يرجموه وهو يرفع يده ويتضرع إلى الله عز وجل قائلًا اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون، وكل ذلك وهو يقتل.
ولكن آل ياسين لم يستيجيبوا لدعوته بل أخذوا يضربونه حتى مات الرجل فأدخلت روحه إلى الجنة فقد أخبرنا عز جل أن الذين قتلوا في سبيل الله أحياءً عند ربهم، فلما دخل الجنة ووجد ما بها من نعيم وأنهار تذكر قومه الذين قتلوه وتمنى لهم أن يروا النعيم الذي يراه ليؤمنوا بالله عز وجل، فقال ياليت قومي يعلمون.
بل أن آل ياسين استمروا في ضربه مؤمنهم وهو حبيب النجار حتي قتلوا هذا الرجل الصالح وكذبوا الأنبياء أمر الله تعالى جبريل عليه السلام أن يصيح عليهم صيحة واحدة وما أعظم هذه الصيحة ، فقد خلعت تلك الصيحة أفئدتهم عن أجسادهم ولم يبقى منهم حيًا واحدًا، فهؤلاء القوم الذين استكبروا وكذبوا الأنبياء وقتلوا الصالحين لم يستحقوا أن يرسل الله عليهم جندًا من الملائكة فهم أقل من ذلك، فقد هلكوا جميعًا بصيحة واحدة من جبريل عليه السلام.
عقاب الله لبني إسرائيل وآل ياسين ل يتوقف عند هذا الحد بل أهلكم المولى عز وجل قال فيهم يا حسرة على العباد، فقد استهزئوا بكل الرسل بالرغم من أنهم رأوا ما أصاب أقوامًا قبلهم ولو أنهم كانوا ءامنوا لسعدوا في الدنيا والآخرة، لكنهم اختاروا الكفر واستحبوا العمى على الإيمان فأهلكهم المولى عز وجل.
اقرأ أيضا:
ما صور الإفساد التي نهى الله عن ارتكابها في الأرض؟ (الشعراوي يجيب)اهلاك الله تعالي لآل ياسين جاء بشكل مفصل كما ظهر في قوله تعالي ” وما أنزلنا على قومه من بعده من جندًا من السماء وما كنا منزلين، إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون، يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون، ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون، وإن كل لما جميعًا لدينا محضرون”.
وقد ورد في بعض كتب الحديث أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ” الصديقين ثلاثة حبيب النجار مؤمن آل ياسين قال يا قوم اتبعوا المرسلين، وحزقيل مؤمن آل فرعون قال يا قوم أتقتلون رجلًا أن يقول ربي الله، وعلي بن أبي طالب وهو أفضلهم” وهذا الحديث من رواية بن عساكر وابن نعيم وفيه عمرو بن جميع وهو من الذين اتهموا بالوضع ولذلك فإن هذا الحديث لا يجب أن يؤخذ به الا في فضائل الاعمال فقط كما يري المتخصصون في علوم الحديث