قال الله تعالى في سورة الحجرات: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (14)".
اختلف العلماء في السبب الذي من أجله قيل للنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: قل لهؤلاء الأعراب: قولوا أسلمنا ولا تقولوا آمنا، فقال بعضهم: إنما أمر النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم بذلك لأن القوم كانوا صدّقوا بألسنتهم ولم يصدّقوا قولهم بفعلهم فقيل لهم: قولوا أسلمنا لأن الإسلام قول والإيمان قول وعمل.
فرق شاسع
فهناك فرق شاسع بين الإسلام والإيمان، فلكل منهما درجة تختلف عن الأخرى، بل ربما يتوقف عليها فرصك في دخول الجنة أو النار، وفي ذلك يقول ابن زيد ( قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ) قال: لم يصدّقوا إيمانهم بأعمالهم فردّ الله ذلك عليهم ( قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ) فأخبرهم أن المؤمنين الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، وقد صدّقوا إيمانهم بأعمالهم، أما من انتحل الإيمان بالكلام ولم يعمل فقد كذب وليس بصادق.
وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفرق بين الدرجتين، حينما أعطى رجالا ولم يعط رجلا منهم شيئا، فقال سعد: يا رسول الله أعطيت فلانا وفلانا ولم تعط فلانا شيئا وهو مؤمن، فقال النبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: أو مُسْلِمٌ؟ حتى أعادها سعد ثلاثا والنبيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: أوْ مُسْلِمٌ، ثم قال النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم إني أُعْطِي رِجالا وأَدَعُ مَنْ هُوَ أحَبُّ إليَّ مِنْهُمْ، لا أُعْطِيه شَيْئا مَخافَةَ أنْ يُكَبُّوا فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ".
فإن تحديد الفرق بين المؤمن والمسلم ينبني على تحديد الفرق بين الإسلام والإيمان، والقاعدة عند العلماء: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فالإسلام هو الأعمال الظاهرة، ومعنى الإيمان هو الاعتقادات الباطنة، كقوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:14].
وبذلك، فإن كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، لذلك يحكم للمنافق في أحكام الدنيا بالإسلام، وقلبه خاوٍ من الإيمان، وإن مات على نفاقه فهو في الآخرة من الخاسرين.
سؤال للشيخ الشعراوي
سأل أحد المستشرقين الشيخ الشعراوي قائلا: هل كل ما في قرآنكم صحيح؟ فأجاب بنعم، فسأله المستشرق: "لماذا إذاً جعل للكافرين عليكم سبيلا ؟رغم قوله تعالى :" ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ".
فأجاب الشيخ الشعراوي: لأننا مسلمين ولسنا مؤمنين !
والفرق بين المؤمنين والمسلمين، أن المسلمين اليوم يؤدون جميع شعائر الإسلام من صلاة وزكاة وحج وصوم رمضان، ولكن هم في شقاءٍ تام، وذلك لأن المسلمين لم يرتقوا إلى مرحلة المؤمنين، قال تعالى: " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين" الروم ٤٧.
أما المؤمنون فهم كما جاء في القرآن الكريم: " التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله". التوبة 112.
مقام الإحسان
ويزيد على مقام الإيمان مقام الإحسان، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يرى عليه أثر السفر ، ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه ، وقال : " يا محمد أخبرني عن الإسلام " ، فقال له : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ، وتصوم رمضان ، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ) ، قال : " صدقت " ، فعجبنا له يسأله ويصدقه ، قال : " أخبرني عن الإيمان " قال : ( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) ، قال : " صدقت " ، قال : " فأخبرني عن الإحسان " ، قال : ( أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، قال : " فأخبرني عن الساعة " ، قال : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ) ، قال : " فأخبرني عن أماراتها " ، قال : ( أن تلد الأمة ربتها ، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء ، يتطاولون في البنيان ) ثم انطلق فلبث مليا ، ثم قال : ( يا عمر ، أتدري من السائل ؟ ) ، قلت : "الله ورسوله أعلم " ، قال : ( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ) رواه مسلم .
فهناك مؤمن، وهناك محسن، المؤمن الذي يؤدي التكاليف المفروضة عليه، والمحسن يزيد من التكاليف فوق ما فرض الله. يعني فرض الله عليك الصلاة خمس مرات، الله فرض علي أقل ما أستحق، أحسنت، أي دخلت في رتبة الإحسان، كلفت نفسك فوق ما كلفك الله، لكن من جنس ما كلفك الله، لا تعبد الله إلا بما قال، صيام، صلاة، وزكاة، والزكاة اثنان ونصف المائة، لكن الذي يحسن ليس له حد في الإنسان، 10 في المائة، 20 في المائة، 25 في المائة، كلف نفسه في عمل الخير فوق ما كلفه الله".
والمحسن له معنيان قبل ما ينزل التكليف فعل الخير، وبعد أن ينزل التكليف، لم يقتصر على التكليف، بل زاد من جنس التكليف فوق ما فرض الله، ولذلك هنا يقول: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ" [الذريات:19]. لكن في سورة "سأل" يقول: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُوم ٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج:24- 25]".
اقرأ أيضا:
أعظم وصية نبوية..وسيلة سهلة لدخول الجنة