التواضع خلق إسلامي رفيع بل يعتبره الكثيرون من أعظم الأخلاق الإسلامية علي الإطلاق إذ يشكل نوعا من إثبات العبودية لله إذ يمثل انصياعا لأوامر لله واستسلاما لما يأمرنا به الحق سبحانه وتعالي ولذا فقد حثنا الإسلام قرآنا وسنة إلي الالتزام به في جميع المُمارسات والأحوال، حيث يكون هذا التواضع في الذات، والمشي، والحركة، والقول، والحديث، والمعاملة.
ولما لهذا الخلق الإسلامي من أهمية فقد قال الله تعالى: "وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" "الإسراء: 37"، فقد دعت الآية الكريمة إلى خُلق إنسانيّ عظيم، وهو التواضع وتجنُّب التكبُّر على الآخرين، ويُعرَّف التواضع بأنَّه أن يتعامل الإنسان مع غيره من الناس بلطف ولباقة، فيحرص على مراعاة مشاعرهم والابتسامة في وجوههم ومعاملتهم بإحسان وتوجيه الحديث إليهم برقة وبنفس بشوشة مهما كان منصبه ومهما كانت مكانته الاجتماعيَّة.
ويعتبر كثير من الفقهاءءوأهل اعلم أن التواضع قيمة عالية من القيم، وهى التي كان يُقال في شأنها: "مَن تواضع لله رفعه" ، وهى نوع من أنواع إثبات العبودية لله وحده، يسجد المسلم كثيرًا في صلاته، وهذا إنما هو تواضع لله، وأنه لا يسجد إلا لله، وأنه بذلك يُعلن حرّيته بهذا السجود لرب العالمين لأنه لا يخشى إلا الله، وبذلك فهو لا يخشى لومة لائم.
الحث علي التواضع كان من خلق نبينا محمد صلي الله عليه وسلم حيث دأب النبي الأعظم علي تعليمنا التواضع بأساليب شتى :رأيناه يأكل مع الأطفال، ومع العبيد، ومع الضِّعاف، ومع الضيوف.
وبل ضرب رسولنا المثل الأعلي في هذا السياق حيث رأيناه صلي الله عليه وسلم وهو -من رحمته- ينزل من فوق المنبر عندما رأى الحسن والحسين رضي الله عنهما يتعثران في ثيابهما، فأخذهما وضمهما إلى صدره الشريف بل وتكرر هذا المشهد العظيم عندما رأيناه وهو يترك أمامة بنت زينب الكبرى -بنته – رضي الله عنها وهي تركب فوق ظهره فيطيل لها السجود.
وفي الحديث الذي رواه أنس رضي الله تعالى عنه قال: "مَا رَأَيْتُ رَجُلًا الْتَقَمَ أُذُنَ رَسُولِ اللهِ إلا ونَحَّى له رَأْسَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يُنَحِّي رَأْسَهُ، وَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَتَرَكَ يَدَهُ حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ الَّذِي يَدَعُ يَدَهُ".
وفي التفاصيل أن مَن وضع فمه في أذن رسول الله صلي الله عليه وسلم يريد أن يُناجيه وأن يتكلم معه فترى النبي يسمعه وهو سيد الكونين وهو سيد الخلق عليه الصلاة والسلام ، ولا يحرك رأسه إلا بعد ما ينتهي الرجل، وهذه الحركة قد تكون مُتعبة ومُجهدة لكنه غيض من فيض تواضعه وأدبه صلي الله عليه وسلم يفعل هذا.
وكان يترك يده لبنات بني النجار، فالبنت تأخذه حيثما شاءت.فاللهم يا ربنا ارزقنا التواضع لك، وارزقنا الرفعة من هذا التواضع.
ومن الثابت الإشارة إلي أن لخلق التواضع تداعيات إيجابية علي الفرد والمجتمع ، فهو أساس رفعته وتوفيقه في الدنيا والآخرة، وهو من أهمّ خصال عباد الرحمن الذين وصفهم الله تعالى في القرآن الكريم بقوله: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا" فالتواضع من أخلاق أولياء الله، ويكون الإنسان المتواضع محبوباً بين الناس، وقريب من الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم يوم القيامة،
بل أن خلق التواضع من ادوات كمال شخصية الفرد وشمولها من جميع جوانبها، وهذا من شأنه تحقيق العديد من الثمار الإيجابية في سلوك وحياة الفرد وكافّة تعاملاته، ومنها: البرّ، والرحمة، واللين، والرفق
ومن الثابت أن التَّواضُع يرفع المرء قدرًا ويُعْظِم له خطرًا ويزيده نبلًا . بل أنه يؤدِّي إلى الخضوع للحقِّ والانقياد له .فهو هو عين العزِّ؛ لأنَّه طاعة لله ورجوع إلى الصَّواب و يكفي المتواضع محبَّة عباد الله له، ورفع الله إيَّاه .
التَّواضُع فيه مصلحة الدِّين والدُّنْيا، ويزيل الشَّحناء بين النَّاس، ويريح مِن تعب المباهاة والمفاخرة ويُكْسِب السَّلامة، ويورث الألفة، ويرفع الحقد، ويُذْهِب الصَّ
بل تعد المحبة أبرز ثمار، كما أنَّ ثمرة القناعة الرَّاحة، وإنَّ تواضع الشَّريف يزيد في شرفه، كما أنَّ تكبُّر الوضيع يزيد في ضِعَتِه .
فضلا عن كون التَّواضُع يؤلِّف القلوب، ويفتح مغاليقها، ويجعل صاحبه جليل القدر، رفيع المكانة.
وفي المقابل فهناك آثار التواضع على المجتمع عديد ومتنوعة حيث يترتّب على خُلق التواضع العديد من الآثار الإيجابية على المجتمع، إذ يُحقّق التكافل والمودة بين أبناء المجتمع الواحد، ويزيد من التآلف والتآخي بينهم، ويؤدّي إلى انتشار العديد من الصفات الحسنة كالتعاطف، والتعاون، والاحترام، والوفاء، والصدق، والإخلاص،
بل أن التواضع يزيد من قوّة المجتمع الإسلامي عند التزامه بالمنهج الإسلامي، ويتمكّن من مواجهة جميع المخاطر التي تُحيط بالمسلمين، وبالتالي تحقيق الألفة والوحدة للمجتمع الإسلامي الواحد