عزيزتي..
ربما لو تم البحث في طفولتك لوجدت نموذج أم غير راعية لك، أو لا، لكن على الأرجح أنك كنت طفلة تمت الإساءة النفسية إليها بأي صورة من قبل الوالدين، أو الأسرة، فالتفكير في التخلي عن حضانة طفلتيك هكذا يعد "إساءة عاطفية ونفسية" ، لذا هان عليك الأمر، لأنك ببساطة كنت طفلة لم تذق، ولم تنل، أمومة وأبوة جيدة، غير مسيئة، ففاقد الشيء لا يعطيه، فمن أين تنفقين يا عزيزتي وجرابك خاو؟
أقدر معاناتك الاقتصادية، ولا ألومك على هذا التفكير الذي أراه غير متزن وتحت ضغط، ولكنني أريدك أن تفيقي، وبشدة، وبسرعة قبل فوات الأوان، ففداحة غياب الأم وهي على قيد الحياة لا تدانيه خسارة.
تقول جاسمين لي كوري في كتابها "الأم الغائبة عاطفيا The Emotionally Absent Mother"، الذي تتحدث فيه عن الآثار السلبية المترتبة على غياب الأم "عاطفيًا" وهي في حياة أبنائهم، في أسرة بدون طلاق ولا إنفصال، لكن الروابط العاطفية بينها وبينهم مفقودة:" ا لابد أن تتمحور البيوت حول الأطفال، تسمع لهم وتنصت، وتساعدهم على التعبير عن مشاعرهم، وتتفهمها، وتحترمها، فلا شيء أكثر أهمية من الأمومة، وتحدث الإساءة العاطفية عندما تجعل الأم البيت متمحورًا حولها، والأشياء التي تشغلها، كمشكلاتها الزوجية، وصعوباتها المهنية، وأزماتها المالية، إلخ".
لن أقول لك تمحوري حول أطفالك، بل على العكس، تمحوري حول نفسك!
وألف باء تمحور الأم حول نفسها، أن ترعى "أمومتها" كجزء رئيس منها، ولا تنسى بقية أجزاءها.
لا تدفني نفسك، ولا احتياجاتك، ولا رغباتك، ومشاعرك، ولكن ابحثي عن "الطرق الصحية" للتعامل معها، وتلبيتها، ولا تخدعنك الطرق الوهمية، ولو جاءتك من أقرب الناس إليك.
ثقي أن احترامك وتقديرك لأمومتك سيوصلك لهذا، وسيجعلك تحفرين الأرض تحت أقدام أطفالك، وسيأتيك الله بأرزاقهم، وستهوى أفئدة من الناس الطيبين إليكم.
طريق شاقة، لكنها، ممكنة، وتستحق.
ربما، وأقول ربما تقتضي ظروفك عدم الزواج من جديد وفتح صفحة جديدة في حياتك، ولكن "اختيارك"، للبقاء أمًا وفقط فهذا لن يعني يا عزيزتي القيام بدور الضحية، ولا العطاء من منطلق التضحية، فأداؤك دور الأم مضافًا له وبكل أسف دور الأب على قسوة الوضع والأحمال والمسئوليات، يتطلب العطاء بنفس سوية غير مضحية ولا منقذة ولا جانية، فالشمعة المحترقة لا تفيد أحدًا، واستنزاف الطاقة والإلقاء بالنفس إلى التهلكة ليس هو السلوك الصحي المطلوب.
علاقتك بذاتك ما لم تكن سوية، قائمة على التقدير والحب والقبول والاحترام لن تجعلها تصمد معك طويلًا للقيام بأدوارك في الحياة بشكل صحي، ولن تجعلك تقيمين علاقة صحية مع من حولك وأولهم أولادك، ولن تحصلي على احترام أحد ولا تقديره ولا حبه ما لم تمنحي أنت هذا أولًا لنفسك، هذه هي خلاصة الأمر.
يا عزيزتي..
إن استغنيت عن كل الأشياء، والمعاني، فلا تستغني عن أمومتك، وشخصيًا لا أعذر من يحضون عليه ويرونه حلًا خاصة لو كانوا من الأهل، والأصدقاء، والأقارب، لا أحب ولا أعذر كل من يزينون هذه الفكرة السامة البائسة.
من يزينون "فقد" الأم ، و"فقد" الأبناء وكل من هذه الأطراف على قيد الحياة، هل لا يعلمون مدى قساوة الأمر، وآثاره السلبية السيئة للغاية على هذه الأنفس، وشخصياتهم، وواقعهم، وحياتهم، ومستقبلهم، وعلاقتهم؟!
ليس هذا كلامًا إنشائيًا، ولا تنظير من كاتب يجلس على مكتبه ويخبط على أزرار غير عابيء بحالة ولا مشاعر إنسان، وإنما هو خارطة نجاة حتى لا تتحولين أو أبناءك إلى ضحايا غرق سفينة الأسرة، إذ لا ينبغي إخراج أحد منكم من معادلة الإنقاذ، ليس المطلوب التضحية بالجنين من أجل الأم يا عزيزتي، ولا التضحية بالأم من أجل الجنين، بل إنقاذكم، جميعًا، ومعًا.
لا أريدك، أنت، ولا أبناءك، منكوبين، بل متعافين من آثار تهشم السفينة، وأحياء ، أصحاء نفسيًا وجسمانيًا.
ودمت بكل خير ووعي وسكينة .